الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***
وَأَمَّا الذي يَرْجِعُ إلَى الْوَقْتِ فَهُوَ مُضِيُّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وهو شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْإِيلَاءِ حتى لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قبل مُضِيِّ الْمُدَّةِ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ في حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ وهو الْبِرُّ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ تَرْكِ الْفَيْءِ في مُدَّةِ الْإِيلَاءِ لِقَوْلِهِ عز وجل: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فإن اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وَرُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِدَّةٍ من الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أن عَزْمَ الطَّلَاقِ تَرْكُ الْفَيْءِ إلَيْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَقَدْ جَعَلَ تَرَكَ الْفَيْءَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ في الْإِيلَاءِ وَالْكَلَامُ في الايلاء يَقَعُ في مَوَاضِعَ في تَفْسِيرِ الايلاء لُغَةً وَشَرْعًا وفي بَيَانِ رُكْنِ الْإِيلَاءِ وفي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ وفي بَيَانِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ وفي بَيَانِ ما يَبْطُلُ بِهِ الْإِيلَاءُ أَمَّا تَفْسِيرُهُ فَالْإِيلَاءُ في اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عن الْيَمِينِ يُقَالُ آلَى أَيْ حَلَفَ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ الْيَمِينُ أَلِيَّةً وَجَمْعُهَا أَلَايَا قال الشَّاعِرُ: قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ *** وَإِنْ صَدَرَتْ منه الْأَلِيَّةُ بُرَّتْ وفي حَرْفِ عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما لِلَّذِينَ يُقْسِمُونَ من نِسَائِهِمْ وَالْقَسَمُ وَالْيَمِينُ من الْأَسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ وقال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ}أَيْ وَلَا يَحْلِفُ. وفي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عن الْيَمِينِ على تَرْكِ الجماعة [الجماع] بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ نَذْكُرُهَا في مَوَاضِعِهَا إن شاء الله تعالى. وَأَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ على مَنْعِ النَّفْسِ عن الجمع [الجماع] في الْفَرْجِ مُؤَكَّدًا بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أو بِصِفَاتِهِ أو بِالْيَمِينِ بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ حتى لو امْتَنَعَ من جِمَاعِهَا أو هَجْرِهَا سَنَةً أو أَكْثَرَ من ذلك لم يَكُنْ مُولِيًا ما لم يَأْتِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عليه لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْيَمِينُ تَصَرُّفٌ قَوْلِيٌّ فَلَا بُدَّ من الْقَوْلِ وَلَوْ أتى بِلَفْظٍ يَدُلُّ على نَفْيِ الْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لم يَكُنْ ذلك إيلَاءً في حَقِّ حُكْمِ الْبِرِّ لِأَنَّ حُكْمَ الْبِرِّ إنَّمَا يَثْبُتُ لِصَيْرُورَتِهِ ظَالِمًا بِتَرْكِ الْجِمَاعِ في الْفَرْجِ لِأَنَّ حَقَّهَا فيه وَلَوْ ذَكَرَ لَفْظًا يَدُلُّ على مَنْعِ نَفْسِهِ عن الْجِمَاعِ في الْفَرْجِ بِطَرِيقٍ يُؤَكِّدُهُ بِالْيَمِينِ لم يَكُنْ إيلَاءً لِأَنَّ الظُّلْمَ بِالْمَنْعِ وَالْمَنْعُ لَا يَتَأَكَّدُ إلَّا بِالْيَمِينِ. وقال الشَّافِعِيُّ في الْقَدِيمِ لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَظَاهِرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ يَدْفَعُ هذا الْقَوْلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ} فَالْإِيلَاءُ في اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عن الْيَمِينِ وَاسْمُ الْيَمِينِ يَقَعُ على الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَقَعُ على الْيَمِينِ بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْيَمِينِ وهو الْقُوَّةُ وَلَوْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ عز وجل وَبِغَيْرِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لَا يَكُونُ مُولِيًا حتى لَا تَبِينُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ من غَيْرِ فَيْءٍ وَلَا كَفَّارَةَ عليه إنْ قَرِبَهَا لِأَنَّهُ ليس بِيَمِينٍ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْيَمِينِ وهو الْقُوَّةُ وقال النبي صلى الله عليه وسلم لَا تَحْلِفُوا بابائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ فَمَنْ كان مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أو لِيَذَرْ. وَرُوِيَ من حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ أَمَّا الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ على مَنْعِ النَّفْسِ عن الْجِمَاعِ فَأَنْوَاعُ بَعْضِهَا صَرِيحٌ وَبَعْضُهَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ وَبَعْضُهَا كِنَايَةٌ أَمَّا الصَّرِيحُ فَلَفْظُ الْمُجَامَعَةِ بِأَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يُجَامِعَهَا وَأَمَّا الذي يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ فَلَفْظُ الْقُرْبَانِ وَالْوَطْءِ وَالْمُبَاضَعَةِ وَالِافْتِضَاضِ في الْبِكْرِ بِأَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا أو لَا يَطَأَهَا أو لَا يُبَاضِعَهَا أو لَا يَفْتَضَّهَا وَهِيَ بِكْرٌ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ الْمُضَافَ إلَى الْمَرْأَةِ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ في الْعُرْفِ قال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ}وَكَذَا الْوَطْءُ الْمُضَافُ إلَيْهَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ في الْجِمَاعِ. قال النبي صلى الله عليه وسلم في سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حتى يَضَعْنَ وَلَا الحبالى [الحيالى] حتى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ وَالْمُبَاضَعَةُ مُفَاعَلَةٌ من الْبُضْعِ وهو الْجِمَاعُ أو الْفَرْجُ وَالِافْتِضَاضُ في الْعُرْفِ عِبَارَةٌ عن جِمَاعِ الْبِكْرِ وهو كَسْرُ الْعُذْرَةِ مَأْخُوذٌ من الْفَضِّ وهو الْكَسْرُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَغْتَسِلُ منها لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ منها لَا يَكُونُ إلَّا بِالْجِمَاعِ فَأَمَّا الْجِمَاعُ في غَيْرِ الْفَرْجِ فَالِاغْتِسَالُ لَا يَكُونُ منها وَإِنَّمَا يَكُونُ من الْإِنْزَالِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ ما لم يُنْزِلْ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ وفي الْجِمَاعِ في الْفَرْجِ لَا يَقِفُ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ على وُجُودِ الْإِنْزَالِ وَلَوْ قال لم أَعْنِ بِهِ الْجِمَاعَ لَا يَدِينُ في الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ في الْجُمْلَةِ. وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَنَحْوُ لَفْظَةِ الْإِتْيَانِ وَالْإِصَابَةِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَأْتِيهَا أو لَا يُصِيبُ منها يُرِيدُ الْجِمَاعَ لِأَنَّهُمَا من كِنَايَاتِ الْجِمَاعِ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ في الْجِمَاعِ وفي غَيْرِهِ اسْتِعْمَالًا على السَّوَاءِ فَلَا بُدَّ من النِّيَّةِ وَكَذَا لَفْظَةُ الْغَشَيَانِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَغْشَاهَا لِأَنَّ الْغَشَيَانَ يُسْتَعْمَلُ في الْجِمَاعِ قال اللَّهُ تَعَالَى: {فلما تَغَشَّاهَا} أَيْ جَامَعَهَا وَيُسْتَعْمَل في الْمَجِيءِ وفي السِّتْرِ وَالتَّغْطِيَةِ قال اللَّهُ تَعَالَى: {يوم يَغْشَاهُمْ الْعَذَابُ} قِيلَ يَأْتِيهِمْ وَقِيلَ يَسْتُرُهُمْ وَيُغَطِّيهِمْ فَلَا بُدَّ من النِّيَّةِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَمَسُّ جِلْدُهُ جِلْدَهَا وقال لم أَعْنِ بِهِ الْجِمَاعَ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ وَيَحْتَمِلُ للمس [المس] الْمُطْلَقَ فَيَحْنَثُ لغير [بغير] الْجِمَاعِ وَالْإِيلَاءُ ما وَقَفَ الْحِنْثُ فيه على الْجِمَاعِ ولأنه يُمْكِنُهُ جِمَاعُهَا بِغَيْرِ مُمَاسَّةِ الْجِلْدِ بِأَنْ يَلُفَّ ذَكَرَهُ بِحَرِيرَةٍ فَيُجَامِعُهَا وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَمَسَّهَا لِمَا قُلْنَا وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يُضَاجِعُهَا أو لَا يَقْرَبُ فِرَاشَهَا وقال لم أَعْنِ بِهِ الْجِمَاعَ فَهُوَ مُصَدَّقٌ في الْقَضَاءِ لِأَنَّ هذا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ في الْجِمَاعِ وَيُسْتَعْمَلُ في غَيْرِهِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ جِمَاعُهَا من غَيْرِ مُضَاجَعَةٍ وَلَا قُرْبِ فِرَاشٍ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْتَمِعُ رَأْسِي وَرَأْسُك فَإِنْ عَنَى بِهِ الْجِمَاعَ فَهُوَ مُولٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْجِمَاعُ وَإِنْ لم يَعْنِ بِهِ الْجِمَاعَ لم يَكُنْ مُولِيًا وَلَا يَجْتَمِعَانِ على فِرَاشٍ وَلَا مِرْفَقَةٍ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ وَلَهُ جِمَاعُهَا من غَيْرِ اجْتِمَاعٍ على الْفِرَاشِ وَلَا شَيْءَ يَجْمَعُ رَأْسَهَا عليه وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَكِ وِسَادَةٌ أو لَا يُؤْوِينِي وَإِيَّاكِ بَيْتٌ أو لَا أَبِيت مَعَك في فِرَاشٍ فَإِنْ عني به الْجِمَاعَ فَهُوَ مُولٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْجِمَاعُ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ وَكَيْفَمَا جَامَعَهَا فَهُوَ حَانِثٌ وَإِنْ لم يَعْنِ بِهِ الْجِمَاعَ فَلَيْسَ بِمُولٍ وَلَا يَأْوِي مَعَهَا في بَيْتٍ وَلَا يَبِيتُ مَعَهَا في فِرَاشٍ وَلَا يَجْتَمِعَانِ على وِسَادَةٍ لِئَلَّا تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ وَيَطَؤُهَا على الْأَرْضِ وَالْبَوَادِي. وَلَوْ حَلَفَ لَأَسُوءَنَّكِ أو لَأَغِيظَنَّكِ لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا إذَا عني بِهِ تَرْكَ الْجِمَاعِ لِأَنَّ الْمَسَاءَةَ قد تَكُونُ بِتَرْكِ الْجِمَاعِ وقد تَكُونُ بِغَيْرِهِ وَكَذَا الْغَيْظُ فَلَا بُدَّ من النِّيَّةِ وَأَمَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِصِفَاتِهِ فَهِيَ الْحَلِفُ بِاسْمٍ من أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أو بِصِفَةٍ من صِفَاتِهِ بِلَفْظٍ لَا يُسْتَعْمَلُ في غَيْرِ الصِّفَةِ أو يُسْتَعْمَلُ في الصِّفَةِ وفي غَيْرِهَا لَكِنْ على وَجْهٍ لَا يَغْلِبُ اسْتِعْمَالُهُ في غَيْرِ الصِّفَةِ وَمَوْضِعُ مَعْرِفَةِ هذه الْجُمْلَةِ كتاب الْأَيْمَانِ ثُمَّ الْإِيلَاءُ إذَا كان بِاَللَّهِ تَعَالَى فَالْمُولِي لَا يَخْلُو إما إنْ أَطْلَقَ الْإِيلَاءَ وإما إنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ وإما إنْ أَضَافَهُ إلَى وَقْتٍ وإما إنْ وَقَّتَهُ إلَى غَايَةٍ فَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ قال لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك كان مُولِيًا لِلْحَالِ. وَالْأَصْلُ فيه أَنَّ من مَنَعَ نَفْسَهُ عن قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا وَبِمَا يُحْلَفُ بِهِ عَادَةً يَصِيرُ مُولِيًا أو يُقَالُ من لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ زَوْجَتِهِ في الْمُدَّةِ من غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ فَهُوَ مُولٍ وقد وُجِدَ هَهُنَا لِأَنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى يَصْلُحُ مَانِعًا تَحَرُّزًا عن الْهَتْكِ وهو ما يُحْلَفُ بِهِ عَادَةً وَعُرْفًا وَكَذَا لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ زَوْجَتِهِ في الْمُدَّةِ من غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وهو الْكَفَّارَةُ فَيَصِيرُ مُولِيًا وَكَذَا إذَا قال لِامْرَأَتَيْنِ له وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا وَهَهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ أحدهما [أحدها] أَنْ يَقُولَ لأمرأتيه [لامرأتين] وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا أو يَقُولَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ وَهُمَا فصل وَاحِدٌ وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا أو إحْدَاكُنَّ وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا أو وَاحِدَةً مِنْكُنَّ أَمَّا الْأَوَّلُ إذَا قال لِامْرَأَتَيْنِ له وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا صَارَ مُولِيًا مِنْهُمَا لِلْحَالِ حتى لو مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ولم يَقْرَبْهُمَا فيها بَانَتَا جميعا وَيَبْطُلُ وَكَذَا إذَا قال لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ صَارَ مُولِيًا مِنْهُنَّ لِلْحَالِ حتى لو لم يَقْرَبْهُنَّ حتى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بِنَّ جميعا وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وهو اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِيرَ مُولِيًا في الْأَوَّلِ ما لم يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَيَصِيرُ مُولِيًا من الْأُخْرَى وفي الثَّانِي ما لم يَطَأْ وَاحِدَةً فَيَصِيرُ مُولِيًا من الْأُخْرَى وفي الثَّالِثِ ما لم يَطَأْ الثَّالِثَةَ مِنْهُنَّ فَيَصِيرُ مُولِيًا من الرَّابِعَةِ وهو قَوْلُ زُفَرَ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمُولِيَ من لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ من غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ وَهَهُنَا يُمْكِنُهُ في الصُّورَةِ الْأُولَى قُرْبَانُ إحْدَاهُمَا من غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِوَطْءِ إحْدَاهُمَا إذْ جُعِلَ شَرْطُ الْحِنْثِ قُرْبَانَهُمَا من غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ ولم يُوجَدْ وفي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ الثَّلَاثِ مِنْهُنَّ من غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِوَطْءِ الثَّلَاثِ مِنْهُنَّ فَلِمَ يُوجَدْ حَدُّ المولى فَلَا يَكُونُ مُولِيًا وإذا وطىء إحْدَاهُمَا أو وطىء الثَّلَاثَ مِنْهُنَّ فَلَا يُمْكِنُهُ وَطْءُ الْبَاقِيَةِ إلَّا بِحِنْثٍ يَلْزَمُهُ فَوُجِدَ حَدُّ الْإِيلَاءِ فَيَصِيرُ مُولِيًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُولِي من لَا يُمْكِنُهُ وَطْءُ امْرَأَتِهِ في الْمُدَّةِ من غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ وَهَهُنَا لَا يُمْكِنُهُ وَطْؤُهَا في الْمُدَّةِ من غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لو وطىء إحْدَاهُمَا أو الثَّلَاثَ مِنْهُنَّ لَزِمَهُ تَعْيِينُ الْأُخْرَى لِلْإِيلَاءِ وَهَذَا شَيْءٌ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ وقد وُجِدَ حَدُّ الْإِيلَاءِ فَيَكُونُ مُولِيًا وَلَوْ قَرِبَ إحْدَاهُمَا لَا كَفَّارَةَ عليه لِعَدَمِ شَرْطِ الْحِنْثِ وهو قُرْبَانُهُمَا وَلَكِنْ يَبْطُلُ إيلَاؤُهُ منها لِأَنَّ ذلك يَقِفُ على الْقُرْبَانِ وقد وُجِدَ وَالْإِيلَاءُ في حَقِّ الْبَاقِيَةِ على حَالِهِ لِانْعِدَامِ الْمُبْطِلِ في حَقِّهِمَا وهو الْقُرْبَانُ وَلَوْ قَرِبَهُمَا جميعا بَطَلَ إيلَاؤُهُمَا وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِوُجُودِ الْمُبْطِلِ لَهُمَا وَالْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ وهو قُرْبَانُهُمَا وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا قبل مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بَطَلَ إيلَاؤُهَا وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ وطىء الْأُخْرَى بَعْدَ ذلك بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ قُرْبَانُهُمَا ولم يُوجَدْ وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا لَا يَبْطُلُ الْإِيلَاءُ. وَأَمَّا الثَّانِي وهو ما إذَا قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا فإنه يَصِيرُ مُولِيًا من إحْدَاهُمَا حتى لو وطىء إحْدَاهُمَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَبَطَلَ الْإِيلَاءُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ وهو قُرْبَانُ إحْدَاهُمَا وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا أو طَلَّقَ إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا أو بَانَتْ بِلَا عِدَّةٍ تَعَيَّنَتْ الْبَاقِيَةُ لِلْإِيلَاءِ لِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَوْ لم يَقْرَبْ إحْدَاهُمَا حتى مَضَتْ الْمُدَّةُ بَانَتْ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَلَهُ خِيَارٌ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ على أَيَّتِهِمَا شَاءَ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ في حَقِّ حُكْمِ الْبِرِّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ شَرْعًا بِشَرْطِ تَرْكِ الْقُرْبَانِ في الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قال إنْ لم أَقْرَبْ إحْدَاكُمَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فإحداكما طَالِقٌ بَائِنٌ وَلَوْ نَصَّ على ذلك فَمَضَتْ الْمُدَّةُ ولم يَقْرَبْ إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا غير عَيْنٍ وَلَهُ الْخِيَارُ يُوقِعُ على أَيَّتِهِمَا شَاءَ كَذَا هذا. وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعَيِّنَ الْإِيلَاءَ في إحْدَاهُمَا قبل مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَمْلِكُ ذلك حتى لو عَيَّنَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لم يَقَعْ الطَّلَاقُ على الْمُعَيَّنَةِ بَلْ يَقَعُ على إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَيُخَيَّرُ في ذلك لِأَنَّ الْيَمِينَ تَعَلَّقَتْ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ فَالتَّعْيِينُ يَكُونُ تَغْيِيرَ الْيَمِينِ فَلَا يَمْلِكُ ذلك لِأَنَّ تَغْيِيرَ الْيَمِينِ إبْطَالُهَا من وَجْهٍ وَالْيَمِينُ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ في حَقِّ الْبِرِّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْقُرْبَانِ في الْمُدَّةِ وَمَتَى عَلَّقَ الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ بِشَرْطٍ ثُمَّ أَرَادَ تغيير التَّعْلِيقَ قبل وُجُودِ الشَّرْطِ لَا يَقْدِرُ على ذلك كما إذَا قال لِامْرَأَتَيْهِ إذَا جاء غَدٌ فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعَيِّنَ إحْدَاهُمَا قبل مَجِيءِ الْغَدِ لَا يَمْلِكُ ذلك كَذَا هذا فإذا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَبَانَتْ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَلَهُ الْخِيَارُ في تَعْيِينِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ لِلطَّلَاقِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إذَا وَقَعَ في الْمَجْهُولَةِ يَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ في التَّعْيِينِ فَلَهُ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ على إحْدَاهُمَا فَلَوْ لم يُوقِعْ الطَّلَاقَ على وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حتى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى وَبَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِتَطْلِيقَةٍ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرُوِيَ عن أبي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ على الْأُخْرَى وَجْهُ رِوَايَةِ أبي يُوسُفَ أَنَّهُ آلَى من إحْدَاهُمَا لَا من كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْإِيلَاءُ إلَّا إحْدَاهُمَا وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ لِعَدَمِ الْحِنْثِ فَكَانَ تَعْلِيقُ طَلَاقِ إحْدَاهُمَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ من غَيْرِ فَيْءٍ بَاقِيًا فإذا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ على إحْدَاهُمَا فَقَدْ زَالَتْ مُزَاحَمَتُهُمَا وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِبَقَاءِ الْيَمِينِ في حَقِّهَا وَتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا كما لو زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ قبل اخْتِيَارِ الزَّوْجِ بِالْمَوْتِ بِأَنْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا أَلَيْسَ أَنَّهُ تَتَعَيَّنُ الْأُخْرَى كَذَا هَهُنَا وَهَلْ يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ على المولى منها بِالْإِيلَاءِ السَّابِقِ بِتَكْرَارِ الْمُدَّةِ لَا نَصَّ في هذه الْمَسْأَلَةِ واختلفت [واختلف] الْمَشَايِخُ فيه وَتَرْجِيحُ بَعْضِ الْأَقَاوِيلِ فيه على الْبَعْضِ يُعْرَفُ في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَكَذَلِكَ لو عَيَّنَ الطَّلَاقَ في إحْدَاهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى بَانَتْ الْأُخْرَى بِتَطْلِيقَةٍ على جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ وهو ما إذَا قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا فإنه يَصِيرُ مُولِيًا مِنْهُمَا جميعا حتى لو مَضَتْ مُدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ولم يَقْرَبْهُمَا فيها بَانَتَا جميعا كَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ في الْجَامِعِ من غَيْرِ خِلَافٍ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ فقال على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُولِيًا مِنْهُمَا اسْتِحْسَانًا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَكُونُ مُولِيًا من إحْدَاهُمَا وهو الْقِيَاسُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عنهما بَلْ عن إحْدَاهُمَا فَصَارَ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا وَالدَّلِيلُ عليه أَنَّهُ إذَا قَرِبَ إحْدَاهُمَا يَحْنَثُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَدَلَّ أَنَّ الْيَمِينَ تَنَاوَلَتْ إحْدَاهُمَا لَا غير وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وهو الْفَرْقُ بين الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ قَوْلَهُ إحْدَاكُمَا مَعْرِفَةٌ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى الْكِنَايَةِ وَالْكِنَايَاتُ مَعَارِفُ بَلْ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ وَالْمُضَافُ إلَى الْمَعْرِفَةِ مَعْرِفَةٌ وَالْمَعْرِفَةُ تَخْتَصُّ في النَّفْيِ كما تَخْتَصُّ في الْإِثْبَاتِ. وَقَوْلُهُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا نَكِرَةٌ لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ بِنَفْسِهَا ولم يُوجَدْ ما يُوجِبُ صَيْرُورَتَهَا مَعْرِفَةً وهو اللَّامُ أو الْإِضَافَةُ فَبَقِيَتْ نَكِرَةً وَأَنَّهَا في مَحَلِّ النَّفْيِ فنعم [فتعم] وَالدَّلِيلُ على التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يَسْتَقِيمُ إدْخَالُ كَلِمَةِ الْإِحَاطَةِ وَالِاشْتِمَالِ وَهِيَ كَلِمَةُ كُلٍّ على وَاحِدَة مِنْكُمَا وَلَا يَسْتَقِيمُ إدْخَالُهَا على إحْدَاكُمَا حتى يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ كُلَّ إحْدَاكُمَا فَدَلَّ أَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَقَوْلُهُ إحْدَاكُمَا لَا يَصْلُحُ لَهُمَا إلَّا أَنَّهُ إذَا قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا فَقَرِبَ إحْدَاهُمَا يَبْطُلُ إيلَاؤُهُمَا جميعا وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ وهو قُرْبَانُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ ما إذَا قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا فَقَرِبَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا أنه يَبْطُلُ إيلَاؤُهُمَا وَلَا يَبْطُلُ إيلَاءُ الْبَاقِيَةِ حتى لَا تَجِبَ عليه الْكَفَّارَةُ. أَمَّا بُطْلَانُ إيلَاءِ التي قَرِبَهَا فَلِوُجُودِ شَرْطِ الْبُطْلَانِ وهو الْقُرْبَانُ ولم يُوجَدْ الْقُرْبَانُ في الْبَاقِيَةِ فَلَا يَبْطُلُ إيلَاؤُهَا وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَلِعَدَمِ شَرْطِ الْوُجُوبِ وهو قُرْبَانُهُمَا جميعا ولو قال لِامْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا لَا يَكُونُ مُولِيًا من امْرَأَتِهِ ما لم يَقْرَبْ الْأَمَةَ فإذا قَرِبَ الْأَمَةَ صَارَ مُولِيًا من امْرَأَتِهِ لِأَنَّ الْمُولِيَ من لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ في الْمُدَّةِ من غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَقَبْلَ أَنْ يَقْرَبَ الْأَمَةَ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ من غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْحِنْثَ بِقُرْبَانِهِمَا فَلَا يَثْبُتُ بِقُرْبَانِ إحْدَاهُمَا فإذا قَرِبَ الْأَمَةَ فَقَدْ صَارَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ زَوْجَتِهِ من غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ فَصَارَ مُولِيًا وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا لم يَكُنْ مُولِيًا في حَقِّ الْبِرِّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ إحْدَاكُمَا مَعْرِفَةٌ لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَى الْمَعْرِفَةِ وَالْمَعْرِفَةُ تَخُصُّ وَلَا تَعُمُّ سَوَاءٌ كان في مَحَلِّ الْإِثْبَاتِ أو في مَحَلِّ النَّفْيِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا إحْدَاهُمَا وَالْإِيلَاءُ في حَقِّ الْبِرِّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ تَرْكِ الْقُرْبَانِ في الْمُدَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قال إنْ لم أَقْرَبْ إحْدَاكُمَا في الْمُدَّةِ َإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَوْ قال ذلك لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا إذَا عَنَى امْرَأَتَهُ وما عَنَى هَهُنَا فَلَا يُمْكِنُهُ جَعْلُهُ إيلَاءً في حَقِّ الْبِرِّ وَلَوْ قَرِبَ إحْدَاهُمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ بَقِيَ يَمِينًا في حَقِّ الْحِنْثِ وقد وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فيجب [فتجب] الْكَفَّارَةُ كما لو قال لِأَجْنَبِيَّةٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قَرِبَهَا حَنِثَ وَلَا يَكُونُ ذلك إيلَاءً في حَقِّ الْبِرِّ كَذَا هذا. وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا كان مُولِيًا من امْرَأَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاحِدَةَ نَكِرَةٌ مَذْكُورَةٌ في مَحَلِّ النَّفْيِ فَتَعُمُّ عُمُومَ الْأَفْرَادِ كما لو قال لَا أُكَلِّمُ وَاحِدًا من رِجَالِ حَلَبَ إلَّا أَنَّهُ لو قَرِبَ إحْدَاهُمَا حَنِثَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ قُرْبَانُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَا قُرْبَانُهُمَا وقد وُجِدَ وَلَوْ كان له امْرَأَتَانِ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ فقال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا صَارَ مُولِيًا مِنْهُمَا جميعا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَحَلُّ الْإِيلَاءِ فإذا مَضَى شَهْرَانِ ولم يَقْرَبْهُمَا بَانَتْ الْأَمَةُ لِمُضِيِّ مُدَّتِهَا من غَيْرِ قُرْبَانٍ وإذا مَضَى شَهْرَانِ آخَرَانِ بَانَتْ الْحُرَّةُ أَيْضًا لِتَمَامِ مُدَّتِهَا من غَيْرِ فَيْءٍ. وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا يَكُونُ مُولِيًا من إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَحَلُّ الْإِيلَاءِ وقد أَضَافَ الْإِيلَاءَ إلَى إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَيَصِيرُ مُولِيًا من إحْدَاهُمَا غير عَيْنٍ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعَيِّنَ إحْدَاهُمَا قبل مُضِيِّ الشَّهْرَيْنِ ليس له ذلك لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وإذا مَضَى شَهْرَانِ ولم يَقْرَبْهُمَا بَانَتْ الْأَمَةُ لَا لِأَنَّهَا عُيِّنَتْ لِلْإِيلَاءِ بَلْ لِسَبْقِ مُدَّتِهَا وَاسْتَوْثَقَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ على الْحُرَّةِ فإذا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ولم يَقْرَبْهَا بَانَتْ الْحُرَّةُ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ إذَا لم يُوجَدْ الْحِنْثُ فَكَانَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ على إحْدَاهُمَا بَاقِيًا فإذا مَضَى شَهْرَانِ وَقَعَ الطَّلَاقُ على الْأَمَةِ فَقَدْ زَالَتْ مُزَاحَمَتُهَا وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ فَتَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ لِبَقَاءِ الْإِيلَاءِ في حَقِّهَا وَتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِنَّمَا اسْتَوْثَقَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ على الْحُرَّةِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ انْعَقَدَتْ لَإِحْدَاهُمَا وقد تَعَيَّنَتْ الْأَمَةُ لِلسَّبْقِ فيتبدأ [فيبتدئ] الْإِيلَاءُ على الْحُرَّةِ من وَقْتِ بَيْنُونَةِ الْأَمَةِ بِخِلَافِ ما إذَا قال لها وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا لِأَنَّ هُنَاكَ انْعَقَدَتْ الْمُدَّةُ لَهُمَا فإذا مَضَى شَهْرَانِ فَقَدْ تَمَّتْ مُدَّةُ الْأَمَةِ فَتُتِمُّ مُدَّةُ الْحُرَّةِ بِشَهْرَيْنِ آخَرَيْنِ وَلَوْ مَاتَتْ الْأَمَةُ قبل مُضِيِّ الشَّهْرَيْنِ تَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ لِلْإِيلَاءِ من وَقْتِ الْيَمِينِ حتى إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ من وَقْتِ الْيَمِينِ تَبِينُ لِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ بِمَوْتِ الْأَمَةِ. وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا يَكُونُ مُولِيًا مِنْهُمَا جميعا حتى لو مَضَى شَهْرَانِ تَبِينُ الْأَمَةُ ثُمَّ إذَا مَضَى شَهْرَانِ آخَرَانِ تَبِينُ الْحُرَّةُ كما في قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا إلَّا أَنَّ هَهُنَا إذَا قَرِبَ إحْدَاهُمَا حَنِثَ وَبَطَلَ الْإِيلَاءُ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا قَبْلُ وَإِنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ بِأَنْ قال إنْ دَخَلْت هذه الدَّارَ وَإِنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وكذا إذَا أَضَافَهُ إلَى الْوَقْتِ بِأَنْ قال إذَا جاء غَدٌ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أو قال إذَا جاء رَأْسُ شَهْرِ كَذَا فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وإذا وُجِدَ الشَّرْطُ أو الْوَقْتُ فَيَصِيرُ مُولِيًا وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ من وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْوَقْتِ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَالْإِضَافَةَ إلَى الْوَقْتِ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ وَإِنَّ وَقَّتَهُ إلَى غَايَةٍ يُنْظَرُ إنْ كان الْمَجْعُولُ غَايَةً لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ في مُدَّةِ الْإِيلَاءِ يَكُونُ مُولِيًا كما إذَا قال وهو في شَعْبَانَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حتى أَصُومَ الْمُحَرَّمَ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ عن قُرْبَانِهَا بِمَا يَصْلُحُ مَانِعًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا إلَّا بِحِنْثٍ يَلْزَمُهُ وهو الْكَفَّارَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْغَايَةِ وهو صَوْمُ الْمُحَرَّمِ في الْمُدَّةِ وَكَذَلِكَ يُعَدُّ مَانِعًا في الْعُرْفِ لِأَنَّهُ يُحْلَفُ بِهِ عَادَةً. وَكَذَا لو قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إلَّا في مَكَانِ كَذَا وَبَيَّنَهُ وَبَيَّنَ ذلك الْمَكَانَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا من غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ وَإِنْ كان أَقَلَّ من ذلك لم يَكُنْ مُولِيًا لا مكان الْقُرْبَانِ من غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَكَذَا لو قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حتى تَفْطِمِي صَبِيَّكِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفِطَامِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ كان أَقَلَّ من ذلك لم يَكُنْ مُولِيًا لِمَا قُلْنَا وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حتى تَخْرُجَ الدَّابَّةُ من الْأَرْضِ أو حتى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ أو حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ من مَغْرِبِهَا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ مُولِيًا لِتَصَوُّرِ وُجُودِ الْغَايَةِ في الْمُدَّةِ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا في الْمُدَّةِ من غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا. وفي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّ حُدُوثَ هذه الْأَشْيَاءِ لها عَلَامَاتٌ يَتَأَخَّرُ عنها بِأَكْثَرَ من مُدَّةِ الْإِيلَاء على ما نَطَقَ بِهِ الأخبار فَلَا تُوجَدُ هذه الْغَايَةُ في زَمَانِنَا في مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عَادَةً فلم تَكُنِ الْغَايَةُ مُتَصَوَّرَةَ الْوُجُودِ عَادَةً فَلَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا من غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ عَادَةً فَيَكُونُ مُولِيًا وَلِأَنَّ هذا اللَّفْظَ يُذْكَرُ على إرَادَةِ التَّأْبِيدِ في الْعُرْفِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَبَدًا وَكَذَا إذَا قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حتى تُقَوَّمَ السَّاعَةُ كان مُولِيًا وَإِنْ كان يُمْكِنُ في الْعَقْلِ قِيَامُ السَّاعَةِ سَاعَةً فَسَاعَةً لَكِنْ قَامَتْ دَلَائِلُ الْكتاب الْعَزِيزِ وَالسُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ على أنها لَا تَقُومُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ أَشْرَاطِهَا الْعِظَامِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ من مَغْرِبِهَا وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ وَخُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَنَحْوِ ذلك ولم يُوجَدْ شَيْءٌ من ذلك في زَمَانِنَا فلم تَكُنْ الْغَايَةُ قَبْلَهَا مُتَصَوَّرَةَ الْوُجُودِ عَادَةً على أَنَّ مِثْلَ هذه الْغَايَةِ تُذْكَرُ وَيُرَادُ بها التَّأْبِيدُ في الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ كما قال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حتى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِيَاطِ} أَيْ لَا يَدْخُلُونَهَا أَصْلًا وَرَأْسًا وَكَمَا يُقَالُ لَا أَفْعَلُ كَذَا حتى يَبْيَضَّ القار [الفأر] وَيَشِيبَ الْغُرَابُ وَنَحْوُ ذلك فإنه يَصِيرُ كَأَنَّهُ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حتى تَمُوتِي أو حتى أَمُوتَ أو حتى تُقْتَلِي أو حتى أُقْتَلَ أو حتى أَقْبَلَك أو حتى تَقْبَلِينِي كان مُولِيًا وَإِنْ كان يُتَصَوَّرُ وُجُودُ هذه الْأَشْيَاءِ في الْمُدَّةِ لَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ النِّكَاحِ بَعْدَ وُجُودِهَا فَيَصِيرُ حَاصِلُ هذا الْكَلَامِ كَأَنَّهُ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ما دُمْت زَوْجَكِ أو ما دُمْتِ زَوْجَتِي أو ما دُمْتُ حَيًّا أو ما دُمْتِ حَيَّةً وَلَوْ قال ذلك كان مُولِيًا إذْ لو لم يَكُنْ مُولِيًا لَمَا تُصُوِّرَ انْعِقَادُ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ هذا التَّقْدِيرَ ثَابِتٌ في كل الْإِيلَاءِ. ولو قال لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةُ الْغَيْرِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حتى أَمْلِكَكِ أو أَمْلِكَ شِقْصًا مِنْك يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْقَى بَعْدَ مِلْكِهَا أو شِقْصًا منها فَصَارَ كَأَنَّهُ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ما دُمْتُ زَوْجَكِ أو ما دُمْتِ زَوْجَتِي وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حتى اشتريك لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَرْتَفِعُ بِمُطْلَقِ الشِّرَاءِ لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِغَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهَا فَلَا يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ وَكَذَا إذَا قال حتى اشتريك لِنَفْسِي لِأَنَّهُ قد يَشْتَرِيهَا شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ فَلَا يَمْلِكُهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا قبل الْقَبْضِ وَلَوْ قال حتى أَشْتَرِيَك لِنَفْسِي وَأَقْبِضَك كان مُولِيًا لِأَنَّ الْمِلْكَ في الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ فَيَرْتَفِعُ النِّكَاحُ فَيَصِيرُ تَقْدِيرُهُ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ما دُمْت في نِكَاحِي وَإِنْ كان مِمَّا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ النِّكَاحِ مع وُجُودِهِ فَإِنْ كان مِمَّا لو حَلَفَ بِهِ لَكَانَ مُولِيًا بصير [يصير] مُولِيًا إذَا جَعَلَهُ غَايَةً وَإِلَّا فَلَا هذا أَصْلُ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَصْلُ أبي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ قُرْبَانُهَا في الْمُدَّةِ من غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ لم يَكُنْ مُولِيًا. وَعَلَى هذا يَخْرُجُ ما إذَا قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حتى أَعْتِقَ عَبْدِي فُلَانًا أو حتى أُطَلِّقَ امْرَأَتِي فُلَانَةَ أو حتى أَصُومَ شَهْرًا أَنَّهُ يَصِيرُ مُولِيًا في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وُجُودُ هذه الْغَايَاتِ قبل مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَيُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا من غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا كما إذَا قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حتى أَدْخُلَ الدَّارَ أو حتى أُكَلِّمَ فُلَانًا وَلَهُمَا أَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ عن قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا وَبِمَا يُحْلَفُ بِهِ في الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وهو عِتْقُ عَبْدِهِ وَطَلَاقُ امْرَأَتِهِ وَصَوْمُ الشَّهْرِ وَلِهَذَا لو حَلَفَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكَانَ مُولِيًا فَكَذَا إذَا جَعَلَهَا غَايَةً وَكَذَا لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا من غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ أما وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ أو عِتْقُ الْعَبْدِ أو طَلَاقُ الْمَرْأَةِ أو صَوْمُ الشَّهْرِ فَيَصِيرُ في التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قال إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ أو على كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَوْ قال ذلك لَكَانَ مُولِيًا كَذَا هذا بِخِلَافِ الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ ولو قال لَا أَقْرَبُك حتى أَقْتُلَ عَبْدِي أو حتى أَشْتُمَ عَبْدِي أو حتى أَشْتُمَ فُلَانًا أو أَضْرِبَ فُلَانًا وما أَشْبَهَ ذلك لم يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّهُ لم يُحْلَفْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عُرْفًا وَعَادَةً وَلِهَذَا لو حَلَفَ بِشَيْءٍ من ذلك لم يَكُنْ مُولِيًا فَكَذَا إذَا جَعَلَهُ غَايَةً لِلْإِيلَاءِ وَكَذَا إذَا قال إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ قَتْلُ عَبْدِي أو ضَرْبُ عَبْدِي أو شَتْمُ عَبْدِي أو قَتْلُ فُلَانٍ أو ضَرْبُ فُلَانٍ أو شَتْمُ فُلَانٍ لم يَكُنْ مُولِيًا كما لو قال فَعَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ أو أُكَلِّمَ فُلَانًا لِمَا قُلْنَا وَالله الموفق. وَأَمَّا الْيَمِينُ بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَنَحْوُ قَوْلِهِ إنْ قَرِبْتُك فَامْرَأَتِي الْأُخْرَى طَالِقٌ أو قال هذه طَالِقٌ أو قال فَعَبْدِي هذا حُرٌّ أو فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أو قال فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أو فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أو عُمْرَةٌ أو الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أو فَعَلَيَّ هَدْيٌ أو صَدَقَةٌ أو صَوْمٌ أو اعْتِكَافٌ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ في اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عن الْقُوَّةِ وَالْحَالِفُ يَتَقَوَّى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ على الِامْتِنَاعِ من قُرْبَانِ امْرَأَتِهِ في الْمُدَّةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهما يَصْلُحُ مَانِعًا من الْقُرْبَانِ في الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ يَثْقُلُ على الطَّبْعِ وَيَشُقُّ عليه فَكَانَ في مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ عز وجل لِحُصُولِ ما وُضِعَ له الْيَمِينُ وهو التقوى على الِامْتِنَاعِ من مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ وَكَذَا يُعَدُّ مَانِعًا في الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فإن الناس تَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَكَذَا لِبَعْضِهَا مَدْخَلٌ في الْكَفَّارَةِ وهو الْعِتْقُ وَالصَّدَقَةُ وَهِيَ الْإِطْعَامُ وَالصَّوْمُ وَالْهَدْيُ وَالِاعْتِكَافُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَإِنْ لم يَكُنْ لَهُمَا مَدْخَلٌ في الْكَفَّارَةِ فَلَهُمَا تَعَلُّقٌ بِالْمَالِ فإنه لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِمَا بِمَالٍ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الْعِتْقَ وَالصَّدَقَةَ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْمَالِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ في شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ خِلَافَ أبي يُوسُفَ في قَوْلِهِ إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ أَنَّ على قَوْلِ أبي يُوسُفَ لَا يَكُونُ مُولِيًا ولم يذكر الْقَاضِي الْخِلَافَ في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ وَجْهُ قَوْلِ أبي يُوسُفَ أَنَّ المولى من لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ في الْمُدَّةِ إلَّا بِحِنْثٍ يَلْزَمُهُ وَهَهُنَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ من غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِأَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ قبل أَنْ يَقْرَبَهَا ثُمَّ يَقْرَبُهَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ من قُرْبَانِهَا بِمَا يَصْلُحُ مَانِعًا وَيُعَدُّ مَانِعًا في الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَكَانَ مُولِيًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ قبل الْقُرْبَانِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْقُرْبَانِ فَيَكُونُ الْمِلْكُ قَائِمًا لِلْحَالِ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ وَالْبَيْعُ مَوْهُومٌ فَكَانَ الْحِنْثُ عِنْدَ الْقُرْبَانِ لَازِمًا على اعْتِبَارِ الْحَالِ ظَاهِرًا وَغَالِبًا. وَلَوْ قال إنْ قَرِبْتُك فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ حُرًّا وقال كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَهُوَ مُولٍ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وقال أبو يُوسُفَ لَا يَكُونُ مُولِيًا وَجْهُ قَوْلِ أبي يُوسُفَ أَنَّهُ عَلَّقَ الْيَمِينَ بِالْقُرْبَانِ وَعِنْدَ وُجُودِ الْقُرْبَانِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ التَّمْلِيكِ وَالتَّزَوُّجِ وَالْجَزَاءُ الْمَانِعُ من الْقُرْبَانِ ما يُلْزَمُ عِنْدَ الْقُرْبَانِ وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ على أَنْ يَمْتَنِعَ عن التَّمَلُّكِ وَالتَّزَوُّجِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ جَعَلَ الْقُرْبَانَ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَكَوْنُ الْقُرْبَانِ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ يَصْلُحُ مَانِعًا له عن الْقُرْبَانِ لِأَنَّهُ إذَا قَرِبَهَا انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ وَالْيَمِينُ إذَا انْعَقَدَتْ يَحْتَاجُ إلَى مَنْعِ النَّفْسِ عن تَحْصِيلِ الشَّرْطِ خَوْفًا عن نُزُولِ الْجَزَاءِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا من غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَقْتَ الْقُرْبَانِ وهو انْعِقَادُ الْيَمِينِ التي يَلْزَمُ عِنْدَ انْحِلَالِهَا حُكْمُ الْحِنْثِ فَيَصِيرُ مُولِيًا. وَقَوْلُهُ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قُلْنَا وقد يَمْلِكُ من غَيْرِ تَمَلُّكٍ بِالْإِرْثِ فَلَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عنه ولو قال إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرِ كَذَا فَإِنْ كان ذلك الشَّهْرُ يَمْضِي قبل مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ لم يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّهُ إذَا مَضَى يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ في الْمُدَّةِ من غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَإِنْ كان لَا يَمْضِي قبل مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَهُوَ مُولٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ وَطْؤُهَا في الْمُدَّةِ إلَّا بِصِيَامٍ يَلْزَمُهُ وَلَوْ قال إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أو عَلَيَّ أَنْ أَغْزُوَ لم يَكُنْ مُولِيًا في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ مُولِيًا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ وَذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ الْخِلَافَ بين أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ولم يذكر قَوْلَ أبي حَنِيفَةَ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الصَّلَاةَ مِمَّا يَصِحُّ إيجَابُهَا بِالنَّذْرِ كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَيَصِيرُ مُولِيًا كما لو قال عَلَيَّ صَوْمٌ أو حَجٌّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هذا لَا يَصْلُحُ مَانِعًا لِأَنَّهُ لَا يَثْقُلُ على الطَّبْعِ بَلْ يَسْهُلُ وَلَا يُعَدُّ مَانِعًا في الْعُرْفِ أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّ الناس لم يَتَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِالصَّلَاةِ وَالْغَزْوِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ فَلَا يَصِيرُ مُولِيًا كما لو قال لِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةُ الجناز [الجنازة] أو سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَكَذَا لَا مَدْخَلَ لِلصَّلَاةِ في الْكَفَّارَةِ وَلَا تَعَلُّقَ لها بِالْمَالِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَلَوْ قال إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ أو قال فَعَلَيَّ يَمِينٌ فَهُوَ مُولٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ الْتِزَامُ الْكَفَّارَةِ نَصًّا وَقَوْلُهُ عَلَيَّ يَمِينٌ مُوجِبُ الْيَمِينِ وهو الْكَفَّارَةُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ وَقَالُوا فِيمَنْ قال إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ نَحْرُ وَلَدِي أَنَّهُ مُولٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ بِنَاءً على أَنَّ النَّذْرَ بِنَحْرِ الْوَلَدِ يَصِحُّ وَيَجِبُ ذَبْحُ شَاةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ هو بَاطِلٌ لَا يُوجِبُ شيئا. وَلَوْ قال إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ امْرَأَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ كان آلَى من امْرَأَتِهِ فَإِنْ نَوَى الْإِيلَاءَ كان مُولِيًا لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ آلَى منها زَوْجُهَا لاتيانه بِلَفْظٍ مَوْضُوعٍ التشبيه [للتشبيه] فإذا نَوَى بِهِ الْإِيلَاءَ انْصَرَفَ التَّشْبِيهُ إلَيْهِ وَإِنْ لم يَنْوِ التَّحْرِيمَ وَلَا الْيَمِينَ لم يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّ التَّشْبِيهَ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ في جَمِيعِ الصِّفَاتِ وَقَالُوا فِيمَنْ قال لِامْرَأَتِهِ أنا مِنْك مُولٍ أنه إنْ عَنَى بِهِ الْخَبَرَ بِالْكَذِبِ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ الْخَبَرِ وَخَبَرُ غَيْرِ الْمَعْصُومِ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ وَلَا يُصَدَّقُ في الْقَضَاءِ لِأَنَّ خَبَرَهُ يُحْمَلُ على الصِّدْقِ وَلَا يَكُونُ صَادِقًا بِثُبُوتِ الْمُخْبَر بِهِ وَإِنْ عَنَى بِهِ الْإِيجَابَ كان مُولِيًا في الْقَضَاءِ وَفِيمَا بنيه [بينه] وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ هذا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ في الْإِيجَابِ في الْعُرْفِ. وَلَوْ آلَى من امْرَأَتِهِ ثُمَّ قال لا مرأة له أُخْرَى قد أَشْرَكْتُك في إيلَائِهَا كان بَاطِلًا لِأَنَّ الشَّرِكَةَ في الْإِيلَاءِ لو صَحَّتْ لَثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ في الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ لِكُلِّ واحد [واحدة] مِنْهُمَا أَقَلُّ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَهَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِيلَاءِ لِمَا نَذْكُرُ إن شاء الله تعالى. وَلَوْ قال إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ مُولٍ عِنْدَهُمْ جميعا لِأَنَّهُ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ جَعَلَ الطَّلَاقَ جَزَاءً مَانِعًا من الْقُرْبَانِ فَيَصِيرُ كأن [كأنه] قال إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَوْ قال ذلك لَصَارَ مُولِيًا كَذَا هذا وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَهُوَ مُولٍ لِلْحَالِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا ما لم يَقْرَبْهَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إذَا نَوَى بِهِ الْيَمِينَ أو لَا نِيَّةَ له يَكُونُ إيلَاءً بِلَا خِلَافٍ بين أَصْحَابِنَا كَأَنَّهُ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَصَارَ الْإِيلَاءُ مُعَلَّقًا بِالْقُرْبَانِ كَأَنَّهُ قال إنْ قَرِبْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَلَوْ قال ذلك لَا يَكُونُ مُولِيًا حتى يَقْرَبَهَا كَذَا هذا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ من قُرْبَانِ امْرَأَتِهِ في الْمُدَّةِ بِمَا لَا يَصْلُحُ مَانِعًا وهو التَّحْرِيمُ وهو حَدُّ الْمُولِي فَيَصِيرُ مُولِيًا كما لو قال إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ لَا بُدَّ من مَعْرِفَةِ مَسْأَلَةِ الْحَرَامِ أَعْنِي قَوْلَهُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ من غَيْرِ التَّعْلِيقِ بِشَرْطِ الْقُرْبَانِ إن حُكْمَهَا ما هو. وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فيه أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُو إما إنْ أَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَى شَيْءٍ خَاصٍّ نَحْوِ امْرَأَتِهِ أو الطَّعَامِ أو الشَّرَابِ أو اللِّبَاسِ وإما إنْ أَضَافَهُ إلَى كل حَلَالٍ على الْعُمُومِ فَإِنْ إضافه إلَى امْرَأَتِهِ بِأَنْ قال أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أو قد حَرَّمْتُك عَلَيَّ أو أنا عَلَيْك حَرَامٌ أو قد حَرَّمْت نَفْسِي عَلَيْك أو أَنْتِ مُحْرِمَةٌ عَلَيَّ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فإذا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ انْصَرَفَ إلَيْهِ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً يَكُونُ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ يَكُونُ وَاحِدَةً بَائِنَةً عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ من جُمْلَةِ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَإِنْ لم يَنْوِ الطَّلَاقَ وَنَوَى التَّحْرِيمَ أو لم يَكُنْ له نِيَّةٌ فَهُوَ يَمِينٌ عِنْدَنَا وَيَصِيرُ مُولِيًا حتى لو تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ في تَحْرِيمِ الْحَلَالِ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا لِمَا تَبَيَّنَ وَإِنْ قال أَرَدْت بِهِ الْكَذِبَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَكُونُ شيئا وَلَا يُصَدَّقُ في نَفْيِ الْيَمِينِ في الْقَضَاءِ. وقد اخْتَلَفَ السَّلَفُ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ في هذه الْمَسْأَلَةِ رُوِيَ عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قالوا الْحَرَامُ يَمِينٌ حتى روى عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ قال إذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا أَمَا كان لَكُمْ في رسول اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وروى عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال إنْ نَوَى طَلَاقًا فَطَلَاقٌ وَإِنْ لم يَنْوِ طَلَاقًا فَيَمِينٌ يكفرها [كفرها]. وَعَنْ زَيْدِ بن ثَابِتٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال فيه كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمِنْهُمْ من جَعَلَهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا وهو قَوْلُ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَمِنْهُمْ من جَعَلَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قال ليس ذلك بِشَيْءٍ ما أُبَالِي حُرْمَتَهَا أو قصعة [قطعة] من ثَرِيدٍ وقال الشَّافِعِيُّ ليس بِيَمِينٍ وَفِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِنَفْسِ اللَّفْظِ وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ هل هو يَمِينٌ عِنْدَنَا يَمِينٌ وَعِنْدَهُ ليس بِيَمِينٍ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ تَغْيِيرُ الشَّرْعِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَ الشَّرْعِ وَلِهَذَا خَرَجَ قَوْله تَعَالَى: {يا أَيُّهَا النبي صلى الله عليه وسلم لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لك} مَخْرَجَ الْعِتَابِ لِرَسُولِ اللَّهِ فَدَلَّ أَنَّهُ ليس لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ ما أَحَلَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْيَمِينَ لَا يُحَرِّمُ الْمَحْلُوفَ عليه على الْحَالِفِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُ منه بِكَوْنِهِ حَلَالًا. وَلَنَا الْكتاب وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَمَّا الْكتاب فَقَوْلُهُ عز وجل: {يا أَيُّهَا النبي صلى الله عليه وسلم لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لك} إلَى قَوْلِهِ: {قد فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} قِيلَ نَزَلَتْ الْآيَةُ في تَحْرِيمِ جَارِيَتِهِ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ لَمَّا قال هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى ذلك يَمِينًا بِقَوْلِهِ: {قد فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} أَيْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أو أَبَاحَ لَكُمْ أَنْ تُحِلُّوا من أَيْمَانِكُمْ بِالْكَفَّارَةِ وفي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ: {قد فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تحلة [كفارة] أَيْمَانِكُمْ} وَالْخِطَابُ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ رَسُولَ اللَّهِ وَأُمَّتَهُ وَأَمَّا السُّنَّةُ فما رَوَى ابن عَبَّاسٍ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْحَرَامَ يَمِينًا وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فما رُوِيَ عن جَمَاعَةٍ من الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْحَرَامَ يَمِينًا وَبَعْضُهُمْ نَصَّ على وُجُوبِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فيه وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَلَا يَمِينَ لَا تُتَصَوَّرُ فَدَلَّ على أَنَّهُ يَمِينٌ وَقَوْلُ من جَعَلَهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا مَحْمُولٌ على ما إذَا نَوَى الثَّلَاثَ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ نَوْعَانِ غَلِيظَةٌ وَخَفِيفَةٌ فَكَانَتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ تَعْيِينَ بَعْضِ ما يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ فَيَصِحُّ وإذا نَوَى وَاحِدَةً كانت وَاحِدَةً بَائِنَةً لِأَنَّ اللَّفْظَ ينبىء عن الْحُرْمَةِ وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ لِلْحَالِ وَإِثْبَاتُ حُكْمِ اللَّفْظِ على الْوَجْهِ الذي ينبىء عنه اللَّفْظُ أَوْلَى وَلِأَنَّ الْمُخَالِفَ يُوجِبُ فيه كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ تَسْتَدْعِي وُجُودَ الْيَمِينِ فَدَلَّ أَنَّ هذا اللَّفْظَ يَمِينٌ في الشَّرْعِ فإذا نَوَى بِهِ الْكَذِبَ لَا يُصَدَّقُ في إبْطَالِ الْيَمِينِ في الْقَضَاءِ لعدوله [بعدوله] عن الظَّاهِرِ. وأَمَّا قَوْلُهُ أن تَحْرِيمَ الْحَلَالِ تَغْيِيرُ للشرع [الشرع] فَالْجَوَابُ عنه من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هذا ليس بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ من الْحَالِفِ حَقِيقَةً بَلْ من اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إثْبَاتُ الْحُرْمَةِ كَالتَّحْلِيلِ إثْبَاتُ الْحِلِّ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ ذلك بَلْ الْحُرْمَةُ وَالْحِلُّ وَسَائِرُ الْحُكُومَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ثَبَتَتْ بِإِثْبَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا منع [صنع] لِلْعَبْدِ فيها أَصْلًا إنَّمَا من الْعَبْدِ مُبَاشَرَةُ سَبَبِ الثُّبُوتِ هذا هو الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فلم يَكُنْ هذا من الزَّوْجِ تَحْرِيمَ ما أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ مُبَاشَرَةَ سَبَبِ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ أو مَنْعَ النَّفْسِ عن الِانْتِفَاعِ بِالْحَلَالِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ في اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عن الْمَنْعِ وقد يُمْنَعُ الْمَرْءُ من تَنَاوُلِ الْحَلَالِ لِغَرَضٍ له في ذلك وَيُسَمَّى ذلك تَحْرِيمًا قال اللَّهُ تَعَالَى: {وَحَرَّمْنَا عليه الْمَرَاضِعَ من قَبْلُ} وَالْمُرَادُ منه امْتِنَاعُ سَيِّدِنَا مُوسَى عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عن الإرتضاع من غَيْرِ ثَدْيِ أُمِّهِ لَا التَّحْرِيمُ الشَّرْعِيُّ وَعَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يُحْمَلُ التَّحْرِيمُ الْمُضَافُ إلَى رسول اللَّهِ. فَإِنْ قِيلَ لو كان الْأَمْرُ على ما ذَكَرْتُمْ لم يَكُنْ ذلك منه تَحْرِيمَ الْحَلَالِ حَقِيقَةً فما مَعْنَى إلْحَاقِ الْعِتَابِ بِهِ فَالْجَوَابُ عنه من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ظَاهِرَ الْكَلَامِ إنْ كان يُوهِمُ الْعِتَابَ فَلَيْسَ بِعِتَابٍ في الْحَقِيقَةِ بَلْ هو تَخْفِيفُ الْمُؤْنَةِ عليه في حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ مع أَزْوَاجِهِ لِأَنَّهُ كان مَنْدُوبًا إلَى حُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَهُنَّ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِنَّ وَالرَّحْمَةِ بِهِنَّ فَبَلَغَ من حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ مَبْلَغًا امْتَنَعَ عن الِامْتِنَاعِ بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ له يَبْتَغِي بِهِ حُسْنَ الْعِشْرَةِ فَخَرَجَ ذلك مَخْرَجَ تَخْفِيفِ الْمُؤْنَةِ في حُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَهُنَّ لَا مَخْرَجَ النَّهْيِ وَالْعِتَابِ وَإِنْ كانت صِيغَتُهُ صِيغَةَ النَّهْيِ وَالْعِتَابِ وهو كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عليهم حَسَرَاتٍ}. وَالثَّانِي إنْ كان ذلك الْخِطَابُ عِتَابًا فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا عُوتِبَ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِلَا إذْنٍ سَبَقَ من اللَّهِ عز وجل وَإِنْ كان ما فَعَلَ مُبَاحًا في نَفْسِهِ وهو مَنْعُ النَّفْسِ عن تَنَاوُلِ الْحَلَالِ وَالْأَنْبِيَاءُ عليهم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُعَاتَبُونَ على أَدْنَى شَيْءٍ منهم يُوجَدُ مِمَّا لو كان ذلك من غَيْرِهِمْ لَعُدَّ من أَفْضَلِ شَمَائِلِهِ كما قال تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لهم} وَقَوْلِهِ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} ونو [ونحو] ذلك وَالثَّانِي إنْ كان هذا تَحْرِيمَ الْحَلَالِ لَكِنْ لِمَ قُلْت إنَّ كُلَّ تَحْرِيمِ حَلَالٍ من الْعَبْدِ تَغْيِيرٌ لِلشَّرْعِ بَلْ ذلك نَوْعَانِ تَحْرِيمُ ما أحل [أحله] اللَّهُ تَعَالَى مُطْلَقًا وَذَلِكَ تَغْيِيرٌ بَلْ اعْتِقَادُهُ كُفْرٌ وَتَحْرِيمُ ما أَحَلَّهُ اللَّهُ مُؤَقَّتًا إلَى غَايَةٍ لَا يَكُونُ تَغْيِيرًا بَلْ يَكُونُ بَيَانَ نِهَايَةِ الْحَلَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ مَشْرُوعٌ وَإِنْ كان تَحْرِيمَ الْحَلَالِ لَكِنْ لَمَّا كان الْحِلُّ مُؤَقَّتًا إلَى غَايَةِ وُجُودِ الطَّلَاقِ لم يَكُنْ التَّطْلِيقُ من الزَّوْجِ تَغْيِيرًا لِلشَّرْعِ بَلْ كان بَيَانَ انْتِهَاءِ الْحِلِّ وَعَلَى هذا سَائِرُ الْأَحْكَامِ التي تَحْتَمِلُ الِارْتِفَاعَ وَالسُّقُوطَ وَعَلَى هذا سَبِيلُ النَّسْخِ فِيمَا يحمل [يحتمل] التَّنَاسُخَ فَكَذَا قَوْلُهُ لامرته [لامرأته] أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ الظِّهَارَ كان ظِهَارًا عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وقال مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ ظِهَارًا. وَجْهُ قَوْلِهِ إن الظِّهَارَ تَشْبِيهُ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ وَالتَّشْبِيهُ لَا بُدَّ له من حَرْفِ التَّشْبِيهِ ولم يُوجَدْ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا وَلَهُمَا أن وَصَفَهَا بِكَوْنِهَا مُحَرَّمَةً وَالْمَرْأَةُ تَارَةً تَكُونُ مُحَرَّمَةً بِالطَّلَاقِ وَتَارَةً تَكُونُ مُحَرَّمَةً بِالظِّهَارِ فَأَيَّ ذلك نَوَى فَقَدْ نَوَى ما يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَيُصَدَّقُ فيه هذا إذَا أَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَى الْمَرْأَةِ فإما إذَا أَضَافَهُ إلَى الطَّعَامِ أو الشَّرَابِ أو اللِّبَاسِ بِأَنْ قال هذا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ أو هذا الشَّرَابُ أو هذا اللِّبَاسُ فَهُوَ يَمِينٌ عِنْدَنَا وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا فَعَلَ وقال الشَّافِعِيُّ إذَا قال ذلك في غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْجَارِيَةِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ أَنَّهُ يَمِينٌ أَمْ لَا وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ما ذَكَرْنَا في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَلَنَا قَوْلُهُ عز وجل: {يا أَيُّهَا النبي صلى الله عليه وسلم لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لك} قِيلَ نَزَلَتْ الْآيَةُ في تَحْرِيمِ الْعَسَلِ وقد سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَمِينًا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قد فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} فَدَلَّ أَنَّ تَحْرِيمَ غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْجَارِيَةِ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ لِأَنَّ تَحِلَّةَ الْيَمِينِ هِيَ الْكَفَّارَةُ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ أنها نَزَلَتْ في تَحْرِيمِ جَارِيَتِهِ مَارِيَةَ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ نَزَلَتْ فِيهِمَا لِعَدَمِ التَّنَافِي وَلِأَنَّهُ لو أَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَى الزَّوْجَةِ وَالْجَارِيَةِ لَكَانَ يَمِينًا فَكَذَا إذَا أُضِيفَ إلَى غَيْرِهِمَا كان يَمِينًا كَلَفْظِ الْقَسَمِ إذَا أُضِيفَ إلَى الزَّوْجَةِ وَالْجَارِيَةِ كان يَمِينًا وإذا أُضِيفَ إلَى غَيْرِهِمَا كان يَمِينًا أَيْضًا كَذَا هذا فَإِنْ فَعَلَ كان يَمِينًا مِمَّا حَرَّمَهُ قَلِيلًا أو كَثِيرًا حَنِثَ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُضَافَ إلَى الْمُعَيَّنِ يُوجِبُ تَحْرِيمَ كل جُزْءٍ من أَجْزَاءِ الْمُعَيَّنِ كَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فإذا تَنَاوَلَ شيئا منه فَقَدْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عليه فَيَحْنَثُ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِخِلَافِ ما إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هذا الطَّعَامَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحِنْثَ هُنَاكَ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ وهو أَكْلُ كل الطَّعَامِ وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ لَا يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ بَعْضِ الشَّرْطِ. وَلَوْ قال نِسَائِي عَلَيَّ حَرَامٌ ولم يَنْوِ الطَّلَاقَ فَقَرِبَ إحْدَاهُنَّ كَفَّرَ وَسَقَطَتْ الْيَمِينُ فِيهِنَّ جميعا لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَى جَمْعٍ فَيُوجِبُ تَحْرِيمَ كل فَرْدٍ من أَفْرَادِ الْجَمْعِ فَصَارَ كُلُّ فَرْدٍ من أَفْرَادِ الْجَمْعِ مُحَرَّمًا على الِانْفِرَادِ فإذا قَرِبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَقَدْ فَعَلَ ما حَرَّمَهُ على نَفْسِهِ فَيَحْنَثُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَإِنْ لم يَقْرُبْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حتى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بِنَّ جميعا لِأَنَّ حُكْمَ الْإِيلَاءِ لَا يَثْبُتُ في حَقِّ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ على انْفِرَادِهَا وَالْإِيلَاءُ يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ من غَيْرِ فَيْءٍ هذا إذَا أَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَى نَوْعٍ خَاصٍّ فَأَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا بِأَنْ قال كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنْ لم تَكُنْ له نِيَّةٌ فَهُوَ على الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ خَاصَّةً اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ عَقِيبَ كَلَامِهِ وهو قَوْلُ زُفَرَ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ اللَّفْظَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعُمُومِ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَلَالٍ وَكَمَا فَرَغَ عن يَمِينِهِ لَا يَخْلُو عن نَوْعِ حَلَالٍ يُوجَدُ منه فَيَحْنَثُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هذا عَامٌّ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ على كل مُبَاحٍ من فَتْحِ عَيْنِهِ وَغَضِّ بَصَرِهِ وَتَنَفُّسِهِ وَغَيْرِهَا من حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ الْمُبَاحَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عنه وَالْعَاقِلُ لَا يَقْصِدُ بِيَمِينِهِ مَنْعَ نَفْسِهِ عَمَّا لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عنه فلم يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِعُمُومِ هذا اللَّفْظِ فَيُحْمَلُ على الْخُصُوصِ وهو الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لِأَنَّ هذا اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِمَا في الْعُرْفِ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} أَنَّهُ لَمَّا لم يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ لِثُبُوتِ الْمُسَاوَاةِ بين الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ في أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ حُمِلَ على الْخُصُوصِ وهو نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا في الْعَمَلِ في الدُّنْيَا أو في الْجَزَاءِ في الْآخِرَةِ كَذَا هذا. فإِنْ نَوَى مع ذلك اللِّبَاسَ أو امْرَأَتَهُ فَالتَّحْرِيمُ وَاقِعٌ على جَمِيعِ ذلك وَأَيَّ شَيْءٍ من ذلك فَعَلَ وَحْدَهُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِتَنَاوُلِ كل الْمُبَاحَاتِ وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ على الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِدَلِيلِ الْعُرْفِ فإذا نَوَى شيئا زَائِدًا على الْمُتَعَارَفِ فَقَدْ نَوَى ما يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ على نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فإذا نَوَى شيئا بِعَيْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ بِأَنْ نَوَى الطَّعَامَ خَاصَّةً أو الشَّرَابَ خَاصَّةً أو اللِّبَاسَ خَاصَّةً أو امْرَأَتَهُ خَاصَّةً فَهُوَ على ما نَوَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وفي الْقَضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هذا اللَّفْظَ مَتْرُوكُ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ عُمُومِهِ وَمِثْلُهُ يُحْمَلُ على الْخُصُوصِ فإذا قال أَرَدْت وَاحِدًا بِعَيْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَقَدْ تَرَكَ ظَاهِرَ لَفْظٍ هو مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فلم يُوجَدْ منه الْعُدُولُ فَيُصَدَّقُ وَإِنْ قال كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى امْرَأَتَهُ كان عليها وعلي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِأَنَّ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ دَخَلَا تَحْتَ ظَاهِرِ هذا اللَّفْظِ ولم يَنْفِهِمَا بِنِيَّتِهِ فَبَقِيَا دَاخِلَيْنِ تَحْتَ اللَّفْظِ بِخِلَافِ الْفصل الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُنَاكَ نَوَى امْرَأَتَهُ خَاصَّةً ونفي الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ بِنِيَّتِهِ فلم يَدْخُلَا وَهَهُنَا لم يَنْفِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ بنيته [نيته] وقد دَخَلَا تَحْتَ اللَّفْظِ فَبَقِيَا كَذَلِكَ ما لم يُنْفَيَا بِالنِّيَّةِ وَإِنْ نَوَى في امْرَأَتِهِ الطَّلَاقَ لَزِمَهُ الطَّعَامُ فيها فَإِنْ أَكْلَ أو شَرِبَ لم تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ على الطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ لِاخْتِلَافِ مَعْنَيَيْهِمَا وَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَشْتَمِلُ على مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فإذا أَرَادَ بِهِ في الزَّوْجَةِ الطَّلَاقَ الذي هو أَشَدُّ الْأَمْرَيْنِ وَأَغْلَظُهُمَا لَا يَبْقَى الْآخَرُ مُرَادًا وَكَذَا رُوِيَ عن أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ في رجال [رجل] قال لِامْرَأَتَيْنِ له أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَعْنِي في إحْدَاهُمَا الطَّلَاقَ وفي الْأُخْرَى الْإِيلَاءَ فَهُمَا طَالِقَانِ جميعا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فإذا أَرَادَهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ يُحْمَلُ على أَغْلَظِهِمَا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا. وَلَوْ قال هذه عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ وَهَذِهِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الْإِيلَاءَ كان كما فنوى [نوى] لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِأَحَدِهِمَا خِلَافُ ما يُرَادُ بِالْآخَرِ وَعَنْ أبي يُوسُفَ فِيمَنْ قال لِامْرَأَتَيْهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي في إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا وفي الْأُخْرَى وَاحِدَةً أَنَّهُمَا جميعا طَالِقَانِ ثَلَاثًا لِأَنَّ حُكْمَ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ خِلَافُ حُكْمِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ وَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَتَنَاوَلُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فإذا نَوَاهُمَا يُحْمَلُ على أَغْلَظِهِمَا وَأَشَدِّهِمَا وقال ابن سِمَاعَةَ في نَوَادِرِهِ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ يقول في رَجُلٍ قال ما أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ من مَالٍ وَأَهْلٍ وَنَوَى الطَّلَاقَ في أَهْلِهِ قال وَلَا نِيَّةَ له في الطَّعَامِ فَإِنْ أَكْلَ لم يَحْنَثْ لِمَا قُلْنَا قال وَكَذَلِكَ لو قال هذا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَهَذِهِ يَنْوِي الطَّلَاقَ لِأَنَّ اللَّفْظَةَ وَاحِدَةٌ وقد تَنَاوَلَتْ الطَّلَاقَ فَلَا تَتَنَاوَلُ تَحْرِيمَ الطَّعَامِ وَقَالُوا فِيمَنْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَالدَّمِ أو الْمَيْتَةِ أو لح [لحم] الْخِنْزِيرِ أو كَالْخَمْرِ أَنَّهُ يسئل [يسأل] عن نِيَّتِهِ فَإِنْ نَوَى كَذِبًا فَهُوَ كَذِبٌ لِأَنَّ هذا اللَّفْظَ ليس صَرِيحًا في التَّحْرِيمِ لِيُجْعَلَ يَمِينًا فَيُصَدَّقُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْكَذِبَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فإنه صَرِيحٌ في التَّحْرِيمِ فَكَانَ يَمِينًا وَإِنْ نَوَى التَّحْرِيمَ فَهُوَ إيلَاءٌ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِمَا هو مُحَرَّمٌ فَكَأَنَّهُ قال أَنْتِ حَرَامٌ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ فِيمَنْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ. وَرَوَى ابن سِمَاعَةَ عن مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قال لِامْرَأَتِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ أُمِّي يُرِيدُ التَّحْرِيمَ قال هو بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لم يَجْعَلْهَا مِثْلَ أُمِّهِ لِيَكُونَ تَحْرِيمًا وَإِنَّمَا جَعَلَهَا أُمَّهُ فَيَكُونُ كَذِبًا قال مُحَمَّدٌ وَلَوْ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ بهذا لَثَبَتَ إذَا قال أَنْتِ حَوَّاءُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وقال ابن سِمَاعَةَ عن مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مَعِي حَرَامٌ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ لِأَنَّ هذه الْحُرُوفَ يُقَامُ بَعْضُهَا مَقَامَ بَعْضٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا شَرَائِطُ رُكْنِ الْإِيلَاءِ فَنَوْعَانِ نَوْعٌ هو شَرْطُ صِحَّتِهِ في حَقِّ حُكْمِ الْحِنْثِ وَنَوْعٌ هو شَرْطُ صِحَّتِهِ في حَقِّ حُكْمِ الْبِرِّ وهو الطَّلَاقُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَوْضِعُ بَيَانِهِ كتاب الْأَيْمَانِ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يُسَاوِي سَائِرَ الْأَيْمَانِ في حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ وهو حُكْمُ الْحِنْثِ وَإِنَّمَا يُخَالِفُهَا في حَقِّ الْحُكْمِ الْآخَرِ وهو حُكْمُ الْبِرِّ لأنه [ولأنه] لَا حُكْمَ لِسَائِرِ الْأَيْمَانِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْبِرِّ فيها وَلِلْإِيلَاءِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْبِرِّ حُكْمٌ وهو وُقُوعُ الطَّلَاقِ إذْ هو تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ شَرْعًا بِشَرْطِ الْبِرِّ كَأَنَّهُ قال إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ولم أَقْرَبْكِ فيها فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ فَنَذْكُرُ الشَّرَائِطَ المخفضة [المختصة] بِهِ في حَقِّ هذا الْحُكْمِ وهو الطَّلَاقُ فَنَقُولُ لِرُكْنِ الْإِيلَاءِ في حَقِّ هذا الْحُكْمِ شَرَائِطُ بَعْضُهَا يَعُمُّ كُلَّ يَمِينٍ بِالطَّلَاقِ وَبَعْضُهَا يَخُصُّ الْإِيلَاءَ أَمَّا الذي يَعُمُّ فما ذَكَرْنَا من الشَّرَائِطِ فِيمَا تَقَدَّمَ من الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَقِيَامِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ حتى لَا يَصْلُحَ إيلَاءُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا من أَهْلِ الطَّلَاقِ. وَكَذَا لو آلَى من أَمَتِهِ أو مُدَبَّرَتِهِ أو أُمِّ وَلَدِهِ لم يَصِحَّ إيلَاؤُهُ في حَقِّ هذا الْحُكْمِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ الْإِيلَاءَ بِالزَّوْجَاتِ بِقَوْلِهِ عز وجل: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ} وَالزَّوْجَةُ اسْمٌ لِلْمَمْلُوكَةِ بِمِلْكِ النِّكَاحِ وَشَرْعُ الْإِيلَاءِ في حَقِّ هذا الْحُكْمِ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وإنها وَرَدَتْ في الْأَزْوَاجِ فَتَخْتَصُّ بِهِمْ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْإِيلَاءِ في حَقِّ هذا الْحُكْمِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عنها من قِبَلِ الزَّوْجِ لِمَنْعِهِ حَقَّهَا في الْجِمَاعِ مَنْعًا مُؤَكَّدًا بِالْيَمِينِ وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ قِبَلَ مَوْلَاهَا في الْجِمَاعِ فلم يَتَحَقَّقْ الظُّلْمُ فَلَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الدَّفْعِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ الْحَاصِلَةَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ من غَيْرِ في [فيء] فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ وَلَا طَلَاقَ بِدُونِ النِّكَاحِ وَلَوْ آلَى منها وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ فَإِنْ كان الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَهُوَ مُولٍ لِقِيَامِ الْمِلْكِ من كل وَجْهٍ وَلِهَذَا صَحَّ طَلَاقُهُ وَظِهَارُهُ وَيَتَوَارَثَانِ وَإِنْ كان بَائِنًا أو ثَلَاثًا لم يَكُنْ مُولِيًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالْمَحَلِّ بِالْإِبَانَةِ وَالثَّلَاثِ وَالْإِيلَاءُ لَا يَنْعَقِدُ في غَيْرِ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً وَإِنْ كان يَبْقَى بِدُونِ الْمِلْكِ على ما نَذْكُرُهُ إن شاء الله تعالى. وَعَلَى هذا يَخْرُجُ ما إذَا قال لِأَجْنَبِيَّةٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُولِيًا في حَقِّ حُكْمِ الْبِرِّ حتى لو مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ التَّزَوُّجِ ولم يفيء [يفئ] إلَيْهَا لَا يَقَعُ عليها شَيْءٌ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَالْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ وَلَوْ قَرِبَهَا بَعْدَ التَّزَوُّجِ أو قَبْلَهُ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ في حَقِّ الْحِنْثِ وَلَوْ قال لها إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَتَزَوَّجَهَا صَارَ مُولِيًا عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْمِلْكِ عِنْدَ المتزوج [التزوج] وَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ يَصِحُّ في الْمِلْكِ أو مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ وَهَهُنَا وُجِدَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَيَصِيرُ مُولِيًا بِخِلَافِ الْفصل الْأَوَّلِ وَكَذَا جَمِيعُ ما ذَكَرْنَا من شَرَائِطِ صِحَّةِ التَّطْلِيقِ فَهُوَ من شَرْطِ صِحَّةِ الْإِيلَاءِ في حَقِّ الطَّلَاقِ وَأَمَّا الذي يَخُصُّ الْإِيلَاءَ فشيآن [فشيئان] أَحَدُهُمَا الْمُدَّةُ وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ على أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا في الْحُرَّةِ أو يَحْلِفَ مُطْلَقًا أو مُؤَبَّدًا حتى لو حَلَفَ على أَقَلَّ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لم يَكُنْ مُولِيًا في حَقِّ الطَّلَاقِ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ. وقال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أن مُدَّةَ الْإِيلَاءِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ يَسْتَوِي فيها الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ حتى لو حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا يَوْمًا أو سَاعَةً كان مُولِيًا حتى لو تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ وَكَذَا رُوِيَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه وقال ابن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أن الْإِيلَاءَ على الْأَبَدِ وقال الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ مُولِيًا حتى يَحْلِفَ على أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَجْهُ قَوْلِ الْأَوَّلِينَ ما رُوِيَ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ آلَى من نِسَائِهِ شَهْرًا فلما كان تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا تَرَكَ إيلَاءَهُنَّ فَقِيلَ له إنَّك آلَيْتَ شَهْرًا يا رَسُولَ اللَّهِ فقال الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لم يَذْكَرْ في كتابهِ الْكَرِيمِ لِلْإِيلَاءِ مُدَّةً بَلْ أَطْلَقَهُ إطْلَاقًا بِقَوْلِهِ عز وجل: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ} فَيَجْرِي على إطْلَاقِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُدَّةَ لِثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ حتى تَبِينَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ من غَيْرِ فَيْءٍ لَا لِيَصِيرَ إيلَاءً شَرْعًا وَبِهِ نَقُولُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} ذِكْرٌ لِلْإِيلَاءِ في حُكْمِ الطَّلَاقِ مُدَّةً مُقَدَّرَةً فَلَا يَكُونُ الْحَلِفُ على ما دُونَهَا إيلَاءً في حَقِّ هذا الْحُكْمِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِيلَاءَ ليس بِطَلَاقٍ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا جُعِلَ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِشَرْطِ الْبِرِّ شَرْعًا بِوَصْفِ كَوْنِهِ مَانِعًا من الْجِمَاعِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَلَا يُجْعَلُ طَلَاقًا بِدُونِهِ وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ هو الْيَمِينُ التي تَمْنَعُ الْجِمَاعَ خَوْفًا من لُزُومِ الْحِنْثِ وَبَعْدَ مُضِيِّ يَوْمٍ أو شَهْرٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَطَأَهَا من غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ فَلَا يَكُونُ هذا إيلَاءً. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ أن الْمُدَّةَ ذُكِرَتْ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ لَا لِلْإِيلَاءِ فَنَقُولُ ذِكْرُ الْمُدَّةِ في حُكْمِ الْإِيلَاءِ لَا يَكُونُ ذِكْرًا في الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ بِالْإِيلَاءِ إذْ بِهِ يَتَأَكَّدُ الْمَنْعُ الْمُحَقِّقُ لِلظُّلْمِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَالْمَرْوِيُّ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم آلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ على نِسَائِهِ شَهْرًا وَعِنْدَنَا من حَلَفَ لَا يَدْخُلُ على امْرَأَتِهِ يَوْمًا أو شَهْرًا أو سَنَةً لَا يَكُونُ مُولِيًا في حَقِّ حُكْمِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ وَقَوْلُ عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما الْإِيلَاءُ على الْأَبَدِ مُحْتَمَلٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِيلَاءَ إذَا ذُكِرَ مُطْلَقًا عن الْوَقْتِ يَقَعُ على الْأَبَدِ وَإِنْ لم يُذْكَرْ الْأَبَدُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إن ذِكْرَ الْأَبَدِ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِيلَاءِ في حَقِّ حُكْمِ الطَّلَاقِ فَيُحْمَلُ على الْأَوَّلِ تَوْفِيقًا بين الْأَقَاوِيلِ وَالدَّلِيلُ عليه ما رُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ قال كان إيلَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ من ذلك فَوَقَّتَهُ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَمَنْ كان إيلَاؤُهُ أَقَلَّ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ وَلِأَنَّهُ ليس في النَّصِّ شَرْطُ الْأَبَدِ فَيَلْزَمُهُ إثْبَاتُ حُكْمِ الْإِيلَاءِ في حَقِّ الطَّلَاقِ عِنْدَ تَرَبُّصِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَأَمَّا الْكَلَامُ مع الشَّافِعِيِّ فَمَبْنِيٌّ على حُكْمِ الْإِيلَاءِ في حَقِّ الطَّلَاقِ فَعِنْدَنَا إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ تَبِينُ منه وَعِنْدَهُ لَا تَبِينُ بَلْ تُوقَفُ بَعْدَ مُضِيِّ هذه الْمُدَّةِ وَيُخَيَّرُ بين الْفَيْءِ وَالتَّطْلِيقِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَزِيدَ الْمُدَّةُ على أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ في بَيَانِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ إن شاء الله تعالى. وَسَوَاءٌ كان الْإِيلَاءُ في حَالِ الرِّضَا أو الْغَضَبِ أو أَرَادَ بِهِ إصْلَاحَ وَلَدِهِ في الرَّضَاعِ أو الْإِضْرَارَ بِالْمَرْأَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعَامَّةِ لصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وهو الصَّحِيحُ لِأَنَّ نَصَّ الْإِيلَاءِ لَا يَفصل بين حَالٍ وَحَالٍ وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ فَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِالرِّضَا وَالْغَضَبِ وَإِرَادَةِ الْإِصْلَاحِ وَالْإِضْرَارِ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ وَأَمَّا مُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ فَشَهْرَانِ فَصَاعِدًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ كَمُدَّةِ إيلَاءِ الْحُرَّةِ. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} من غَيْرِ فصل بين الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَالْكَلَامُ من حَيْثُ الْمَعْنَى مَبْنِيٌّ على اخْتِلَافِ أَصْلٍ نَذْكُرُهُ في حُكْمِ الْإِيلَاءِ وهو أَنَّ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ ضُرِبَتْ أَجَلًا لِلْبَيْنُونَةِ عِنْدَنَا فَأَشْبَهَ مُدَّةَ الْعِدَّةِ فَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ وَعِنْدَهُ ضُرِبَتْ لِإِظْهَارِ ظُلْمِ الزَّوْجِ بِمَنْعِ حَقِّهَا عن الْجِمَاعِ في الْمُدَّةِ وَهَذَا يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بين الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ في الْمُدَّةِ كَأَجَلِ الْعِنِّينِ وَلَا حُجَّةَ له في الْآيَةِ لِأَنَّهَا تَنَاوَلَتْ الْحَرَائِرَ لَا الْإِمَاءَ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَ عَزْمَ الطَّلَاقِ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَهِيَ عِدَّةُ الْحَرَائِرِ وَسَوَاءٌ كان زَوْجُهَا عَبْدًا أو حُرًّا فَالْعِبْرَةُ لِرِقِّ الْمِرْأَةِ وَحُرِّيَّتِهَا لَا لِرِقِّ الرَّجُلِ وَحُرِّيَّتِهِ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ في حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ طَلَاقٌ فَيُعْتَبَرُ فيه جَانِبُ النِّسَاءِ وَلَوْ اعترض [اعتض] الْعِتْقُ على الرِّقِّ بِأَنْ كانت مَمْلُوكَةً وَقْتَ الْإِيلَاءِ ثُمَّ أُعْتِقَتْ تَحَوَّلَتْ مُدَّتُهَا مُدَّةَ الْحَرَائِرِ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا إذَا طَلُقَتْ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ أُعْتِقَتْ لَا تَنْقَلِبُ عِدَّتُهَا عِدَّةَ الْحَرَائِرِ وفي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ تَنْقَلِبُ وَالْفَرْقُ بين هذه الْجُمْلَةِ يُعْرَفُ في مَوْضِعِهِ إن شاء الله تعالى. وَعَلَى هذا يُخَرَّجُ ما إذَا قال لِامْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا لَا يَكُونُ مُولِيًا لِنُقْصَانِ الْمُدَّةِ وَلَوْ قال لها وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ فَهُوَ مُولٍ لِأَنَّهُ جَمَعَ بين شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ وَالْجَمْعُ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَلَوْ قال لها وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ فَمَكَثَ يَوْمًا ثُمَّ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لم يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّهُ إذَا سَكَتَ يَوْمًا فَقَدْ مَضَى يَوْمٌ من غَيْرِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الشَّهْرَيْنِ لَيْسَا بِمُدَّةِ الْإِيلَاءِ في حَقِّ الْحُرَّةِ فإذا قال وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ فَقَدْ جَمَعَ الشَّهْرَيْنِ الأخريين [الآخرين] إلَى الْأُولَيَيْنِ بَعْدَمَا مَضَى يَوْمٌ من غَيْرِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا وَلَوْ قال ذلك لم يَكُنْ مُولِيًا لِنُقْصَانِ الْمُدَّةِ كَذَا هذا وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ سَنَةً إلَّا يَوْمًا لم يَكُنْ مُولِيًا لِلْحَالِ في قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَكُونُ مُولِيًا لِلْحَالِ حتى لو مَضَتْ السَّنَةُ ولم يَقْرَبْهَا فيها لَا تَبِينُ وَلَوْ قَرِبَهَا يَوْمًا لَا كَفَّارَةَ عليه عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مُنْذُ قال هذه الْمَقَالَةَ ولم يَقْرَبْهَا فيها تَبِينُ ولو قَرِبَهَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْيَوْمَ الْمُسْتَثْنَى يَنْصَرِفُ إلَى آخِرِ السَّنَةِ كما في الْإِجَارَةِ فإنه لو قال أَجَّرْتُكَ هذه الدَّارَ سَنَةً إلَّا يَوْمًا انْصَرَفَ الْيَوْمُ إلَى آخِرِ السَّنَةِ حتى صَحَّتْ الْإِجَارَةُ كَذَا هَهُنَا وإذا انْصَرَفَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ كانت مُدَّةُ الْإِيلَاءِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَزِيَادَةً فَيَصِيرُ مُولِيًا وَلِأَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ فَلَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ في الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ من غَيْرِ حنيث [حنث] يَلْزَمُهُ وَهَذَا حَدُّ المولى وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَوْمٌ مُنْكَرٌ فَتَعْيِينُ الْيَوْمِ الْآخَرِ تَغْيِيرُ الْحَقِيقَةِ وَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ الْحَقِيقَةِ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَبَقِيَ الْمُسْتَثْنَى يَوْمًا شَائِعًا في السَّنَةِ فَكَانَ له أَنْ يَجْعَلَ ذلك الْيَوْمَ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ فَلَا تَكْمُلُ الْمُدَّةُ ولأنه إذَا اسْتَثْنَى يَوْمًا شَائِعًا في الْجُمْلَةِ فلم يَمْنَعْ نَفْسَهُ عن قُرْبَانِ امْرَأَتِهِ بِمَا يَصْلُحُ مَانِعًا من الْقُرْبَانِ في الْمُدَّةِ لِأَنَّ له أَنْ يُعَيِّنَ يَوْمًا لَلْقُرْبَانِ أَيَّ يَوْمٍ كان فَيَقْرَبُهَا فيه من غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ فلم يَكُنْ مُولِيًا وفي باب الْإِجَارَةِ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى تَعْيِينِ الْحَقِيقَةِ لِتَصْحِيحِ الْإِجَارَةِ إذْ لَا صِحَّةَ لها بِدُونِهِ لِأَنَّ كَوْنَ الْمُدَّةِ مَعْلُومَةً في الْإِجَارَةِ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَلَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً إلَّا بِانْصِرَافِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْيَوْمِ الْأَخِيرِ وَهَهُنَا لَا ضَرُورَةَ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمُدَّةِ لَا تُبْطِلُ الْيَمِينَ فَإِنْ قال ذلك ثُمَّ قَرِبَهَا يَوْمًا يُنْظَرْ إنْ كان قد بَقِيَ من السَّنَةِ أَرْبَعَةٌ أشهر فَصَاعِدًا صَارَ مُولِيًا لِوُجُودِ كَمَالِ الْمُدَّةِ وَلِوُجُودِ حَدِّ الْمُولِي وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ من ذلك لم يَصِرْ مُولِيًا لِنُقْصَانِ الْمُدَّةِ وَلِانْعِدَامِ حَدِّ الْإِيلَاءِ. وَعَلَى هذا الْخِلَافِ إذَا قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ سَنَةً إلَّا مَرَّةً غير أَنَّ في قَوْلِهِ إلَّا يَوْمًا إذَا قَرِبَهَا وقد بَقِيَ من السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَا يَصِيرُ مُولِيًا ما لم تَغْرُبْ الشَّمْسُ من ذلك الْيَوْمِ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ من وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْسِ من ذلك الْيَوْمِ لِأَنَّ الْيَوْمَ اسْمٌ لِجَمِيعِ هذا الْوَقْتِ من أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ فَلَا يَنْتَهِي إلَّا بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وفي قَوْلِهِ إلَّا مَرَّةً يَصِيرُ مُولِيًا عَقِيبَ الْقُرْبَانِ بِلَا فصل وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ من وَقْتِ فَرَاغِهِ من الْقُرْبَانِ مَرَّةً لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى هَهُنَا هو الْقُرْبَانُ مَرَّةً لَا الْيَوْمَ وَالْمُسْتَثْنَى هُنَاكَ هو الْيَوْمُ لَا الْمَرَّةُ لِذَلِكَ افْتَرَقَا ثُمَّ مُدَّةُ أَشْهُرِ الْإِيلَاءِ تُعْتَبَرُ بِالْأَهِلَّةِ أَمْ بِالْأَيَّامِ فَنَقُولُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْإِيلَاءَ إذَا وَقَعَ في غُرَّةِ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ بِالْأَهِلَّةِ وإذا وَقَعَ في بَعْضِ الشَّهْرِ لم يُذْكَرْ عن أبي حَنِيفَةَ نَصُّ رِوَايَةٍ وقال أبو يُوسُفَ تُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَرُوِيَ عن زُفَرَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ بِالْأَيَّامِ وَالشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثَ بِالْأَهِلَّةِ وَتُكَمَّلُ أَيَّامُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِالْأَيَّامِ من أَوَّلِ الشَّهْرِ الرَّابِعِ وَيُحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ هذا على اخْتِلَافِهِمْ في عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ على ما نَذْكُرُهُ هُنَاكَ إن شاء الله تعالى. وَالثَّانِي تَرْكُ الْفَيْءِ في الْمُدَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ عَزْمَ الطَّلَاقِ شَرْطَ وُقُوعِهِ بِقَوْلِهِ: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فإن اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وَكَلِمَةُ إنْ لِلشَّرْطِ وَعَزْمُ الطَّلَاقِ تَرْكُ الْفَيْءِ في الْمُدَّةِ وَالْكَلَامُ في الْفَيْءِ يَقَعُ في مَوَاضِعَ في تَفْسِيرِ الْفَيْءِ الْمَذْكُورِ في الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ ما هو وفي بَيَانِ شَرْطِ صِحَّةِ الْفَيْءِ وفي بَيَانِ وَقْتِ الْفَيْءِ أَنَّهُ في الْمُدَّةِ أو بَعْدَ انْقِضَائِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْفَيْءُ عِنْدَنَا على ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْفِعْلِ وهو الْجِمَاعُ في الْفَرْجِ حتى لو جَامَعَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أو قَبْلَهَا بِشَهْوَةٍ أو لَمَسَهَا لِشَهْوَةٍ أو نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا عن شَهْوَةٍ لَا يَكُونُ ذلك فيأ [فيئا] لِأَنَّ حَقَّهَا في الْجِمَاعِ في الْفَرْجِ فَصَارَ ظَالِمًا بِمَنْعِهِ فَلَا يَنْدَفِعُ الظُّلْمُ إلَّا بِهِ فَلَا يَحْصُلُ الْفَيْءُ وهو الرُّجُوعُ عَمَّا عَزَمَ عليه عِنْدَ الْقُدْرَةِ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ أنها تَثْبُتُ بِالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَبِالْمَسِّ عن شَهْوَةٍ وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ عن شَهْوَةٍ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ هُنَاكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ تَثْبُتُ من وَقْتِ وُجُودِ الطَّلَاقِ من وَجْهٍ فَلَوْ لم تَثْبُتْ الرَّجْعَةُ بِهِ لَصَارَ مُرْتَكِبًا لِلْحَرَامِ فَجُعِلَ الْإِقْدَامُ عليه دَلَالَةَ الرَّجْعَةِ تَحَرُّزًا عن الْحَرَامِ وَهَذَا الْمَعْنَى لم يُوجَدْ هَهُنَا لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ثَبَتَتْ مَقْصُورَةً على الْحَالِ فَلَوْ لم يُجْعَلْ منه فيأ [فيئا] لم يَصِرْ مُرْتَكِبًا لِلْحَرَامِ لِذَلِكَ فَافْتَرَقَا وَالثَّانِي بِالْقَوْلِ وَالْكَلَامُ فيه يَقَعُ في مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا في صُورَةِ الْفَيْءِ بِالْقَوْلِ وَالثَّانِي في بَيَانِ شَرْطِ صِحَّتِهِ أَمَّا صُورَتُهُ فَهِيَ أَنْ يَقُولَ لها فِئْت إلَيْكِ أو رَاجَعْتُكِ وما أَشْبَهَ ذلك. وَذَكَرَ الْحَسَنُ عن أبي حَنِيفَةَ في صِفَةِ الْفَيْءِ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ اشْهَدُوا أَنِّي قد فِئْت إلَى امْرَأَتِي وَأَبْطَلْت الْإِيلَاءَ وَلَيْسَ هذا من أبي حَنِيفَةَ شَرْطَ الشَّهَادَةِ على الْفَيْءِ فإنه يَصِحُّ بِدُونِ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّهَادَةَ احْتِيَاطًا لِباب الْفُرُوجِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَدَّعِيَ الزَّوْجُ الْفَيْءَ إلَيْهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَتُكَذِّبَهُ الْمَرْأَةُ فَيَحْتَاجَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عليه إلَّا أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْفَيْءِ وقد قال أَصْحَابُنَا أنه إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ في الفىء [الفيء] مع بَقَاءِ الْمُدَّةِ وَالزَّوْجُ ادَّعَى الْفَيْءَ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كانت بَاقِيَةً فَالزَّوْجُ يَمْلِكُ الْفَيْءَ فيها وقد ادَّعَى الْفَيْءَ قي وَقْتٍ يَمْلِكُ إنشاءه فيه فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا له فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي الْفَيْءَ في وَقْتٍ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْفَيْءِ فيه فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا عليه لِلْمَرْأَةِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا. وَأَمَّا شَرْطُ صِحَّتِهِ فَلِصِحَّةِ الْفَيْءِ بِالْقَوْلِ شَرَائِطُ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا الْعَجْزُ عن الْجِمَاعِ فَلَا يَصِحُّ مع الْقُدْرَةِ على الْجِمَاعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ هو الْفَيْءُ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ الظُّلْمَ بِهِ يَنْدَفِعُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا الْفَيْءُ بِالْقَوْلِ خَلَفَ عنه وَلَا عِبْرَةَ بالخلف [بالخالف] مع الْقُدْرَةِ على الْأَصْلِ كَالتَّيَمُّمِ مع الْوُضُوءِ وَنَحْوِ ذلك ثُمَّ الشَّرْطُ هو الْعَجْزُ عن الْجِمَاعِ حَقِيقَةً أو مُطْلَقُ الْعَجْزِ إمَّا حَقِيقَةً وَإِمَّا حُكْمًا فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فيه أَنَّ الْعَجْزَ نَوْعَانِ حَقِيقِيٌّ وَحُكْمِيٌّ أَمَّا الْحَقِيقِيُّ فَنَحْوُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَرِيضًا مَرَضًا يَتَعَذَّرُ معه الْجِمَاعُ أو كانت الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا أو رَتْقَاءَ أو يَكُونَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا أو يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لَا يَقْدِرُ على قَطْعِهَا في مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أو تَكُونَ نَاشِزَةً مُحْتَجِبَةً في مَكَان لَا يَعْرِفُهُ أو يَكُونَ مَحْبُوسًا لَا يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَهَا وَفَيْؤُهُ في هذا كُلِّهِ بِالْقَوْلِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ. وَذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لو آلَى من امْرَأَتِهِ وَهِيَ مَحْبُوسَةٌ أو هو مَحْبُوسٌ أو كان بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ مَسَافَةٌ أَقَلَّ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنَّ الْعَدُوَّ أو السُّلْطَانَ مَنَعَهُ عن ذلك فإن فَيْأَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْفِعْلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَفَّقَ بين الْقَوْلَيْنِ في الْحَبْسِ بِأَنْ يُحْمَلَ ما ذَكَرَهُ الْقَاضِي على أَنْ يَقْدِرَ أَحَدُهُمَا على أَنْ يَصِلَ إلَى صَاحِبِهِ في السِّجْنِ وَالْوَجْهُ في الْمَنْعِ من الْعَدُوِّ أو السُّلْطَانِ أَنَّ ذلك نَادِرٌ وَعَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ وَأَمَّا الْحُكْمِيُّ فَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا وَقْتَ الإيلا [الإيلاء] بينه [وبينه] وَبَيْنَ الجمع [الحج] أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وإذا عُرِفَ هذا فَنَقُولُ لَا خِلَافَ في أَنَّهُ إذَا كان عَاجِزًا عن الْجِمَاعِ حَقِيقَةً أَنَّهُ يَنْتَقِلُ الْفَيْءُ بِالْجِمَاعِ إلَى الْفَيْءِ بِالْقَوْلِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا إذَا كان قَادِرًا على الْجِمَاعِ حَقِيقَةً وَعَاجِزًا عنه حُكْمًا أَنَّهُ هل يَصِحُّ الْفَيْءُ بِالْقَوْلِ قال أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَكُونُ فَيْؤُهُ إلَّا بِالْجِمَاعِ وقال زُفَرُ يَصِحُّ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْعَجْزَ حُكْمًا كَالْعَجْزِ حَقِيقَةً في أُصُولِ الشَّرِيعَةِ كما في الْخَلْوَةِ فإنه يَسْتَوِي الْمَانِعُ الْحَقِيقِيُّ وَالشَّرْعِيُّ في الْمَنْعِ من صِحَّةِ الْخَلْوَةِ كَذَا هذا وَلَنَا أَنَّهُ قَادِرٌ على الْجِمَاعِ حَقِيقَةً فَيَصِيرُ ظَالِمًا بِالْمَنْعِ فَلَا يَنْدَفِعُ الظُّلْمُ عنها إلَّا بِإِيفَائِهَا حَقَّهَا بِالْجِمَاعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ لَا يَسْقُطُ لِأَجْلِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى في الْجُمْلَةِ لغنا [لغنى] اللَّهِ عز وجل وَحَاجَةِ الْعَبْدِ وَالثَّانِي دَوَامُ الْعَجْزِ عن الْجِمَاعِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ الْمُدَّةُ حتى لو قَدِرَ على الْجِمَاعِ في الْمُدَّةِ بَطَلَ الْفَيْءُ بِالْقَوْلِ وَانْتَقَلَ إلَى الْفَيْءِ بِالْجِمَاعِ حتى لو تَرَكَهَا ولم يَقْرَبْهَا في الْمُدَّةِ حتى مَضَتْ تَبِينُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْفَيْءَ بِاللِّسَانِ بَدَلٌ عن الْفَيْءِ بِالْجِمَاعِ وَمَنْ قَدِرَ على الْأَصْلِ قبل حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ بَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا قَدِرَ على الْمَاءِ في الصَّلَاةِ. وَكَذَا إذَا آلَى وهو صَحِيحٌ ثُمَّ مَرِضَ فَإِنْ كان قَدْرُ مُدَّةِ صِحَّتِهِ ما يُمْكِنُ فيه الْجِمَاعُ فَفَيْؤُهُ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّهُ كان قَادِرًا على الْجِمَاعِ في مُدَّةِ الصِّحَّةِ فإذا لم يُجَامِعْهَا مع الْقُدْرَةِ عليه فَقَدْ فَرَّطَ في إيفَاءِ حَقِّهَا فَلَا يُعْذَرُ بِالْمَرَضِ الْحَادِثِ وَإِنْ كان لَا يُمْكِنُهُ فَيْؤُهُ بِالْجِمَاعِ لِقِصَرِهِ فَفَيْؤُهُ بِالْقَوْلِ لِأَنَّهُ إذَا لم يَقْدِرْ على الْجِمَاعِ فيه لم يَكُنْ مُفَرِّطًا في تَرْكِ الْجِمَاعِ فَكَانَ مَعْذُورًا وَلَوْ آلَى وهو مَرِيضٌ فلم يفيء [يفئ] بِاللِّسَانِ إلَيْهَا حتى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَبَانَتْ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَرِضَ فَتَزَوَّجَهَا وهو مَرِيضٌ فَفَاءَ إلَيْهَا بِاللِّسَانِ صَحَّ فَيْؤُهُ في قَوْلِ أبي يُوسُفَ حتى لو تَمَّتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ من وَقْتِ التَّزَوُّجِ لَا تَبِينُ وقال مُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ إذَا صَحَّ في الْمُدَّةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ قَدِرَ على الْجِمَاعِ حَقِيقَةً فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ في تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كان لَا يَقْدِرُ على جِمَاعِهَا إلَّا بِمَعْصِيَةٍ كما إذَا كان مُحْرِمًا فَفَاءَ بِلِسَانِهِ أَنَّهُ لم يَصِحَّ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ لِكَوْنِهِ قَادِرًا على الْجِمَاعِ حَقِيقَةً وَإِنْ كان لَا يَقْدِرُ عليه إلَّا بِمَعْصِيَةٍ كَذَا هذا وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الصِّحَّةَ إنَّمَا تَمْنَعُ الْفَيْءَ بِاللِّسَانِ لِلْقُدْرَةِ على إيفَائِهَا حَقَّهَا في الْجِمَاعِ وَلَا حَقَّ لها في حَالَةِ الْبَيْنُونَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الصِّحَّةُ مَانِعَةً منه وَالثَّالِثُ قِيَامُ مِلْكِ النِّكَاحِ وَقْتَ الْفَيْءِ بِالْقَوْلِ وهو أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ في حَالِ ما يَفِيءُ إلَيْهَا زَوْجَتَهُ غير بَائِنَةٍ منه فَإِنْ كانت بَائِنَةً منه فَفَاءَ بِلِسَانِهِ لم يَكُنْ ذلك فيأ [فيئا] وَيَبْقَى الْإِيلَاءُ لِأَنَّ الْفَيْءَ بِالْقَوْلِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ إنَّمَا يَرْفَعُ الْإِيلَاءَ في حَقِّ حُكْمِ الطَّلَاقِ لِحُصُولِ إيفَاءِ حَقِّهَا بِهِ وَلَا حَقَّ لها حَالَةَ الْبَيْنُونَةِ على ما نَذْكُرُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْفَيْءُ وَصَارَ وُجُودُهَا وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ فَيَبْقَى الْإِيلَاءُ فإذا تَزَوَّجَهَا وَمَضَتْ الْمُدَّةُ تَبِينُ منه بِخِلَافِ الْفَيْءِ بِالْفِعْلِ وهو الْجِمَاعُ أَنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ وَثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ حتى لَا يَبْقَى الْإِيلَاءُ بَلْ يَبْطُلُ لِأَنَّهُ حِنْثٌ بِالْوَطْءِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَبَطَلَتْ ولم يُوجَدْ الْحِنْثُ هَهُنَا فَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَلَا يَرْتَفِعُ الْإِيلَاءُ ثُمَّ الْفَيْءُ بِالْقَوْلِ عِنْدَنَا إنَّمَا يَصِحُّ في حَقِّ حُكْمِ الطَّلَاقِ حتى لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إلَّا في حَقِّ الْحِنْثِ لِأَنَّ الْيَمِينَ في حَقِّ حُكْمِ الْحِنْثِ بَاقِيَةٌ لِأَنَّهَا لَا تَنْحَلُّ إلَّا بِالْحِنْثِ وَالْحِنْثُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عليه وَالْقَوْلُ ليس مَحْلُوفًا عليه فَلَا تَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ هذا الذي ذَكَرْنَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وقال الشَّافِعِيُّ لَا فَيْءَ إلَّا بِالْجِمَاعِ وَإِلَيْهِ مَالَ الطَّحَاوِيَّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفَيْءَ بِالْحِنْثِ وَلَا حِنْثَ بِاللِّسَانِ فَلَا يَحْصُلُ الْفَيْءُ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحِنْثَ هو فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عليه وَالْمَحْلُوفُ عليه هو الْقُرْبَانُ فَلَا يَحْصُلُ الْفَيْءُ إلَّا بِهِ. وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ فإنه رُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قالوا الْفَيْءُ عِنْدَ الْعَجْزِ بِالْقَوْلِ وَكَذَا روى عن جَمَاعَةٍ من التَّابِعِينَ مِثْلِ مَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَسَعِيدِ بن جُبَيْرٍ وَلِأَنَّ الْفَيْءَ في اللُّغَةِ هو الرُّجُوعُ يُقَالُ فَاءَ الظِّلُّ أَيْ رَجَعَ وَمَعْنَى الرُّجُوعِ في الْإِيلَاءِ هو أَنَّهُ بِالْإِيلَاءِ عَزَمَ على مَنْعِ حَقِّهَا في الْجِمَاعِ وَأَكَّدَ الْعَزْمَ بِالْيَمِينِ فَبِالْفَيْءِ رَجَعَ عَمَّا عَزَمَ وَالرُّجُوعُ كما يَكُونُ بِالْفِعْلِ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَهَذَا لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لِصَيْرُورَتِهِ ظَالِمًا بِمَنْعِ حَقِّهَا وَالظُّلْمُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ على الْجِمَاعِ بِمَنْعِ حَقِّهَا في الْجِمَاعِ فَيَكُونُ إزَالَةُ الظُّلْمِ بِإِيفَاءِ حَقِّهَا في الْجِمَاعِ فَيَكُونُ إزَالَةُ هذا الظُّلْمِ بِذِكْرِ إيفَاءِ حَقِّهَا في الْجِمَاعِ أَيْضًا وَعِنْدَ الْعَجْزِ عن الْجِمَاعِ يَكُونُ بِإِيذَائِهِ إيَّاهَا مَنْعَ حَقِّهَا في الْجِمَاعِ لِيَكُونَ إزَالَةُ هذا الظُّلْمِ بِقَدْرِ الظُّلْمِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ على وَفْقِ الْعِلَّةِ وَأَمَّا وَقْتُ الْفَيْءِ فَالْفَيْءُ عِنْدَنَا في الْمُدَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ في بَيَانِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ إن شاء الله تعالى. وَأَمَّا حُرِّيَّةُ المولى فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ إيلَائِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ حتى لو قال الْعَبْدُ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أو قال إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ صَوْمٌ أو حَجٌّ أو عُمْرَةٌ أو امْرَأَتِي طَالِقٌ يَصِحُّ إيلَاؤُهُ حتى لو لم يَقْرَبْهَا تَبِينُ منه في الْمُدَّةِ وَلَوْ قَرِبَهَا فَفِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى تَلْزَمُهُ بالكفارة [الكفارة] بِالصَّوْمِ وفي غَيْرِهَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ الْمَذْكُورُ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَإِنْ كان يَحْلِفُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ بِأَنْ قال إنْ قَرِبْتُكِ فعلى عِتْقُ رَقَبَةٍ أو عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ ليس من أَهْلِ مِلْكِ الْمَالِ وَأَمَّا إسْلَامُ المولى فَهَلْ هو شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِيلَاءِ فَنَقُولُ لَا خِلَافَ في أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا آلَى من امْرَأَتِهِ بِالطَّلَاقِ أو الْعَتَاقِ أَنَّهُ يَصِحُّ إيلَاؤُهُ لِأَنَّ الْكَافِرَ من أَهْلِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلَا خِلَافَ أَيْضًا في أَنَّهُ إذَا آلَى بِشَيْءٍ من الْقُرَبِ كَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِأَنْ قال لِامْرَأَتِهِ إنْ قَرِبْتُكِ فَعَلَيَّ صَوْمٌ أو صَدَقَةٌ أو حَجَّةٌ أو عُمْرَةٌ أو غَيْرُ ذلك من الْقُرَبِ لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ ليس من أَهْلِ الْقُرْبَةِ فَيُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ من غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ فلم يَكُنْ مُولِيًا. وَكَذَا إذَا قال لِامْرَأَتِهِ إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أو فُلَانَةُ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لم يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّ الْكُفْرَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الظِّهَارِ عِنْدَنَا وإذا لم يَصِحَّ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا من غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا آلَى بِاَللَّهِ تَعَالَى فقال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك تَنْعَقِدُ مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ على تَقْدِيرِ الْحِنْثِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ يَكُونُ مُولِيًا وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ مُولِيًا. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا تَنْعَقِدُ من الذِّمِّيِّ كما في غَيْرِ الْإِيلَاءِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى تَنْعَقِدُ مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ على تَقْدِيرِ الْحِنْثِ وَالْكَافِرُ ليس من أَهْلِ الْكَفَّارَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ} من غَيْرِ تَخْصِيصِ الْمُسْلِمِ وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِاَللَّهِ يَمِينٌ يَمْنَعُ الْقُرْبَانَ خَوْفًا من هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ عز وجل وَالذِّمِّيُّ يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا يُسْتَحْلَفُ على الدعاوي كَالْمُسْلِمِ وَيَتَعَلَّقُ حِلُّ الذَّبِيحَةِ بتسمية [بتسميته] كما يَتَعَلَّقُ بتسيمة [بتسمية] الْمُسْلِمِ فإنه إذَا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عليها أُكِلَتْ وَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ لم تُؤْكَلْ فَيَصِحُّ إيلَاؤُهُ كما يَصِحُّ إيلَاءُ الْمُسْلِمِ وإذا صَحَّ إيلَاؤُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْإِيلَاءِ في حَقِّهِ كما تَثْبُتُ في حَقِّ الْمُسْلِمِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ في حَقِّ حُكْمِ الْحِنْثِ وهو الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عِبَادَةٌ وهو ليس من أَهْلِ الْعِبَادَةِ فَيَظْهَرُ في حَقِّ حُكْمِ الْبِرِّ وهو الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ من أَهْلِهِ وَلَوْ آلَى مُسْلِمٌ أو ظَاهَرَ من امْرَأَتِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِمًا وَتَزَوَّجَهَا فَهُوَ مُولٍ وَمُظَاهِرٌ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وقال أبو يُوسُفَ يَسْقُطُ عنه الْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْكُفْرَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ ابْتِدَاءً فَيَمْنَعُ بَقَاءَهُمَا على الصِّحَّةِ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِيلَاءِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ على تَقْدِيرِ الْحِنْثِ وَحُكْمُ الظِّهَارِ حُرْمَةٌ مُؤَقَّتَةٌ إلَى غَايَةِ التَّكْفِيرِ وَالْكَافِرُ ليس من أَهْلِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكُفْرَ لَمَّا لم يَمْنَعْ انْعِقَادَ الْإِيلَاءِ لِمَا بَيَّنَّا فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ بَقَاءَهُ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ وَلِأَنَّ الايلاء قد انْعَقَدَ لِوُجُودِهِ من الْمُسْلِمِ وَالْعَارِضُ هو الرِّدَّةُ وَأَثَرُهَا في زَوَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْيَمِينِ فَتَبْقَى الْيَمِينُ فإذا عَادَ يَعُودُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ ولأن كُلَّ عَارِضٍ على أَصْلٍ يَلْتَحِقُ بِالْعَدَمِ من الْأَصْلِ إذَا ارْتَفَعَ وَيُجْعَلُ كَأَنْ لم يَكُنْ وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ انْعَقَدَ بِيَقِينٍ وَالْعَارِضُ وهو الرِّدَّةُ يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ وَالتَّصَرُّفَ الشَّرْعِيَّ إذَا انْعَقَدَ بِيَقِينٍ لِاحْتِمَالِ الْفَائِدَةِ في الْبَقَاءِ وَاحْتِمَالُ الْفَائِدَةِ هَهُنَا ثَابِتٌ لِأَنَّ رَجَاءَ الْإِسْلَامِ قَائِمٌ وَالظِّهَارُ قد انْعَقَدَ مُوجِبًا حُكْمَهُ وهو الْحُرْمَةُ الْمُؤَقَّتَةُ لِصُدُورِهِ من الْمُسْلِمِ وَبِالرِّدَّةِ زَالَتْ صِفَةُ الْحُكْمِ وَبَقِيَ الْأَصْلُ وهو الْحُرْمَةُ إذْ الْكَافِرُ من أَهْلِ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ وَبَقَائِهَا في حَقِّهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحُرْمَةِ وُجُوبُ الِامْتِنَاعِ وهو قَادِرٌ على الِامْتِنَاعِ بِخِلَافِ الْقُرْبَةِ وَلِهَذَا خُوطِبَ بِالْحُرُمَاتِ دُونَ الْقُرُبَاتِ وَالطَّاعَاتِ على ما عُرِفَ في أُصُولِ الْفِقْهِ وَالله الموفق.
|